الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعدُ؛
• ابن تيمية -كعامة الفقهاء من المذاهب الأربعة- يفرِّق بين تهنئتهم بأعيادهم الدينية فيُحرِّمها تحريما قاطعا ونقل اتفاق العلماء عليه، وفي تهنئتهم في المناسبات الدنيوية فيرى جوازها..
- فقال في [اقتضاء الصراط ٢/١٢]:
(وكما لا نتشبه بهم في الأعياد، فلا يُعان المسلم المتشبه بهم في ذلك، بل ينهى عن ذلك فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته، ومن أهدى من المسلمين هدية في هذه الأعياد، مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد، لم تقبل هديته، خصوصا إن كانت الهدية مما يُستعان بها على التشبه بهم، مثل: إهداء الشمع ونحوه في الميلاد، أو إهداء البيض واللبن والغنم في الخميس الصغير الذي في آخر صومهم، وكذلك أيضا لا يهدى لأحد من المسلمين في هذه الأعياد هدية لأجل العيد، لا سيما إذا كان مما يُستعان بها على التشبه).
- وقال أيضا [١/ ٥٢٨]:
(الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك، التي قال الله سبحانه وتعالى عنها: {لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه}، كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج، فإن الموافقة في جميع العيد، موافقة في الكُفر، والموافقة في بعض فروعه: موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر، وأظهر شعائره ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه).
- وقال كما في [المستدرك ٣/١٣٠] :
(وليس للمسلمين أن يعينوهم على أعيادهم، لا ببيع ما يستعينون به على عيدهم، ولا بإجارة دوابهم ليركبوها في عيدهم، لأن أعيادهم مما حرمه الله تعالى ورسوله ﷺ لما فيها من الكفر والفسوق والعصيان..
وأما إذا فعل المسلمون معهم أعيادهم مثل صبغ البيض وبخور وتوسيع النفقات وعمل طعام فهذا أظهر من أن يحتاج إلى سؤال، بل قد نص طائفة من العلماء من أصحاب أبي حنيفة ومالك على كفر من يفعل ذلك).
- وقال البلقيني الشافعي في فتوى له كما في [مواهب الجليل على مختصر خليل ٦/ ٢٨٩]:
(مسألة: مسلم قال لذمي في عيد من أعيادهم، عيد مبارك! هل يكفر، أم لا؟
فأجاب : إن قال المسلم للذمي ذلك على قصد تعظيم دينهم وعيدهم حقيقة فإنه يكفر..
وإن لم يقصد ذلك وإنما جرى على لسانه، فلا يكفر بما قال من غير قصد).
- وقال الرملي الشافعي في [حاشيته ٤/ ١٦٢] والدميري الشافعي في [النجم الوهاج شرح المنهاج ٩/ ٢٤٤] والشربيني الشافعي في [مغني المحتاج ٥/ ٥٢٦]:
(يعزر من وافق الكفار في أعيادهم، ومن قال لذمي: يا حاج، ومن هنأه بعيد، ومن سمى زائر قبور الصالحين حاجا)!.
- وقد نص ابن القيم على الفرق بين التهنئة في أعيادهم الدينية، وغيرها من أفراحهم، فقال في أحكام أهل الذمة: (فصل في تهنئتهم: بزوجة أو ولد أو قدوم غائب أو عافية أو سلامة من مكروه ونحو ذلك، وقد اختلفت الرواية في ذلك عن أحمد فأباحها مرة ومنعها أخرى، والكلام فيها كالكلام في التعزية والعيادة ولا فرق بينهما.. وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد، ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات).
ولا خلاف بين عامة الفقهاء في هذا من حيث الجملة.
• أما تهنئتهم في أفراحهم الدنيوية ففيها عن أحمد روايتان، قال ابن تيمية الجد في [المحرر ٢/ ١٨٥]:
(وفي جواز تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم روايتان، ويدعى لهم إذا أجزناها بالبقاء وكثرة المال والولد).
وقال المرداوي في [الإنصاف ٤/ ٢٣٤]:
(وفي تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم: روايتان.. وعنه يجوز لمصلحة راجحة، واختاره الشيخ تقي الدين ابن تيمية).
فالذي أجازه ابن تيمية تهنئتهم في غير عيدهم.
والله أعلم.