إذا بحث الشخص في الأديان السماوية وهو مسلم أيضا لكي يتيقَّن أن دينه هو الدين الحق مثل الدكتور مصطفى محمود، هل بذلك يقع في الكفر؟
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعدُ؛
البحث في المذاهب والعقائد الأخرى له طريقتين مثلهم كالتالي:
▪ الطريقة الأولى مثل الطعام:
هناك أشخاص تتصور أنه لكي يتذوق طعاما، يجب أن يكون فمه فارغًا من أي طعم آخر حتى لا يؤثر على مذاق الطعام الجديد على لسانه، هؤلاء عندما يبحثون في العقائد الأخرى عندهم تصور أنه يجب أن يترك دينه أولًا حتى يستطيع الحكم وأن يكون محايدًا ومتجردًا ومنصفًا وهكذا...
البحث في العقائد الأخرى عندهم يستلزم الكفر بما هم عليه وهذا غلط في التفكير وفي تصور المسألة عمومًا.. فمثل هذا الحياد وهم لا وجود له وعلى فرض وجوده فهو ليس شرطًا لصواب الحكم أو الإنصاف أصلًا!
▪ الطريقة الثانية مثل الوطن:
أنت ولدت لأب وأم من دولة المغرب مثلا فأنت مغربي، كبرت ونضجت وعرفت أن هناك دولًا أخرى غير المغرب، تريد أن تعرف هذه الدول الأخرى ما وضعها وكيفية العيش فيها وما يميزها مقارنة بالمغرب..
أثناء بحثك عن الدول الأخرى هل تترك جنسيتك المغربية؟!
بالطبع لا!
جيد، هل كونك مغربي ينفي قدرتك على الحكم على الدول الأخرى وحسنها أو قبحها بالنسبة للمغرب؟!
بالطبع لا! فأنت ولدت لأب وأم مسلمين وبالتالي أنت نشأ مسلم، تريد أن تبحث عن العقائد والمذاهب الأخرى وأنت مسلم؟! لا إشكال!
حسنًا، هل كونك مسلما ينفي قدرتك على الحكم على العقائد الأخرى؟! بالطبع لا! ذلك أن الذي يتطلبه الحكم نفسٌ سوية وتمييز للصواب من الخطأ وتخلص من الانحياز وهوى النفس وهذا لا يتأثر بكونك مسلما من عدمه!
إذًا أين المشكلة؟
المشكلة في الاستعجال وعدم الأهلية:
مثل طفلة مغربية رأت صورًا لقبرص فأرادت أن تغيِّر مسكنها وتتنازل عن جنسيتها لأن الصور أعجبتها!
أو رجلٌ عاقل وامرأة رشيد أثناء بحثهم عن مصيف يقضون فيه أسبوعًا أعجبتهم مدينة في رومانيا فقرروا التنازل عن الجنسية والهجرة مع أن هذ المدينة تصلح مصيفًا ولا تصلح مقامًا وسكنا!
أو رجلٌ يريد مدينة بمواصفات معينة وجدها في الهند وقرر الهجرة رغم أن ذات المواصفات موجودة بمدينة بالمغرب وهو لم يبحث جيدًا في المغرب قبل أن يأخذ قراره!
وغيرها من الأمثلة الشبيهة أو القريبة!
إذًا، قبل البحث عن المذاهب والعقائد الأخرى ينبغي الإحاطة الجيدة -إن لم تكن الممتازة بحسب التقديرات الجامعية- بالمِلة التي أنت عليها، ومعرفة مواطن حُسنها والمواطن التي سكتت عنها والمواطن التي فيها اشتباه عندك، وينبغي أن تكون نظرتك للأمور شمولية تتناول جوانب عقدية وشرعية واجتماعية وليس نقطة واحدة أو جانب واحد في ملة متعددة الجوانب، مع صبرٍ حتى تنضج ملكة الحكم عندك والقدرة على اتخاذ القرارت المصيرية الكبيرة واستعانة بالحكماء والناصحين في مثل هذه القرارات مثلها مثل موقفك في قرار العمل والزواج والدراسة والهجرة وما شابه!
فلو أنك تنوي البحث كمثال الوطن لا الطعام، محتفظًا بجنسيتك الأصلية مستصحبًا لها ملتزمًا بشروط النضج السابقة فلا بأس، بل قد يكون حسنا لتزداد يقينًا، أما إن كان الأمر في عجلة مع ضعف الأدوات فهو تهور غالبا لن تحمد عقباه ولن تخرج منه بقلبك الذي دخلته به!
والله أعلم.