الفتنة هي فقط أحد المقاصد التي تراعيها الشريعة في الأحكام، لكن هناك مقاصد أخرى، كل هذه المقاصد تتراكب مع بعضها كالتروس عشان ماكينة الحياة تشتغل، لو ترس ركب بزيادة المكنة تعطل..
للشريعة عدة مقاصد توازن بينها، مش مقصد واحد بتشغله وتهمل الباقي، فهي توازن بين الستر ومقاصده وبين حاجة المرأة للزينة فلا تحرم عليها إبداء كل زينة مثلا، ومن هنا حصل خطأ الذين يوجبون تغطية الوجه بداعي الفتنة وحدها، فهذا تشغيل لمقصد وإهدار لآخر.
وتوازن الشريعة بين الستر ومقاصده والفتنة وسد ذرائعها وبين حاجة الرجال لرفع الحرج عنهم لكثرة ملابستهم لمعترك الحياة فلم توجب على الرجل تغطية نفس ما توجب على المرأة تغطيته حتى وإن كان جميلا، مع ضميمة كون المرأة غالبا لا تفتتن بشكل الرجل كافتتان الرجل بالمرأة.
وتوازن الشريعة بين الافتتان الممكن وقوعه بالرجل وحاجته للتعطر لكثرة ما يلابس الناس ويخالطهم مع طبيعته البدنية وطبيعة حركته التي تجعل البلاء برائحته أكبر، مع كون المرأة لا تتأثر بالشم جنسيا بنفس درجة تأثر الرحل..
وتوازن بين الستر ومقاصده وبين ضعف أثر المرأة الكبيرة التي لا تشتهى فتجيز لها الشريعة كشف شعرها.
وتوازن الشريعة بين الستر ومقاصده وبين حرج الاستتار عن المحارم والنساء فلا توجبه رغم إقرارها بوجود فساد يحصل من المحارم وبين النساء.
وتوازن بين الستر ومقاصده وبين حاجة الأمة للخلطة والعمل بيدها وقدمها وكثرة الخروج مع كون إماء الخدمة غير منظور لهن عند عامة العرب لاستغنائهم عنهن بالحرائر وإماء البيوت، ولذلك نص الفقهاء أنها لو كانت أمة تشتهى عادة وجب عليها حجاب الحرة.
وكل هذه الموازنات ينتج منها ربط درجة الستر المطلوبة بعاملين:
الأول: مساحة الفتنة المتوقعة وحجمها ونسبة وقوعها والمدى الذي من الممكن أن تصل إليه.
الثاني: مساحة الحرج المترتب على كل درجة من درجات الاستتار.
وهذه الموازنة وقياساتها صعبة عسرة؛ لذلك معظم جهاتها متروكة لنصوص الشرع؛ لأن الله أعلم بها، وبالناس، وتركت مساحة يسيرة لاجتهاد الناس ينظرون فيه بحسب اختلاف زمانهم، لكن أساسات الباب محسومة بالنص.
ومن فهم ما تقدم= فتح له باب عظيم من أبواب فقه النصوص وفهم الشريعة، والموفق من وفقه الله، والله أعلم