المشكلة التي عند ك -وعند كثيرين- نابعة من اعتقاد أن الدعاء ما هو إلا وسيلة للحصول على المطالب، بينما الواقع أن الدعاء عبادة قبل كل شيء، يعني شيء يُحبُّه الله تعالى ويُريدُك أن تفعليه، وكُلما زدتِ وكرّرتِ وأصررتِ على الدعاء: أحبّك الله أكثر ورضي عنك أكثر، ومصداق ذلك في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "الدعاء هو العبادة" ، فليس فقط عبادة من ضمن العبادات، بل هو من أهم العبادات حتى يكاد يكون مَجمَعًا لها ومُمثلًا لها جميعًا كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: "الحج عرفة" رغم أن للحج أركانًا أخرى لكن لأهمية الوقوف بعرفة ذكَره وكأنه الركن الأوحد.
فهذه هي النقطة الجوهرية، الله يُحب أن يدعوه عبدُه ويتضرع إليه ويُلحّ في الدعاء ولا يمَل، وفي الحديث: "يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل، قالوا وكيف يعجل؟ قال: يقولُ قد دعوتُ وقد دعوتُ ولا أرى يُستجابُ لي".
وفي الحديث -وفيه ضعف- " إن الله يُحب المُلحّين في الدعاء".
لذلك قال الشاعر:
لا تَسألنّ بُنَيّ آدم حاجةً
وسَلِ الذي أبوابُهُ لا تُحجَبُ
فالله يغضبُ إن تركتَ سؤالَهُ
وبُنَيُّ آدم حين يُسألُ يغضبُ!
وهناك نقطة أخرى مهمة، وهي أن استجابة الله تعالى للعبد لا يلزم أن تكون في صورة تحقيق ما يطلُبه، بل قد تكون الاستجابة في صورة أخرى، كما ذُكر في الحديث الشريف أن الاستجابة قد تتمثل في أن يدّخر الله لك ثوابًا بمقدار مطلوبك في الآخرة، أو أن يدفع عنك مُصيبة من مصائب الدنيا، وقد يحقق لك عين مطلوبك، فهذه الثلاثة الأمور واردة، وكلها من صور الاستجابة.
إذَن تحصّل لنا أمران:
١- أن الدعاء في ذاته عبادة عظيمة نُؤجر عليها.
٢- أن الاستجابة قد تكون بصورة أخرى غير تحقيق نفس الأمر الذي نرجوه.
وختامًا: ينبغي لمن أراد استجابة دعائه أن يحرص على الطاعة ويجتنب المعصية، فإنه كلما كان العبد من الله أقرب كان من الاستجابة أقرب، وكذلك يحرص على آداب الدعاء كاستقبال القبلة ورفع اليدين والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في أول الدعاء وآخره، ويختار الأوقات التي تُرجى فيها الإجابة كأدبار الصلوات وعند الفطر وفي جوف الليل وفي السجود وفي السفر وبعد الأذان وغيرها.
واللهُ كريمٌ حكيم، كريمٌ في العطاء حكيمٌ في القسمة، سُبحانه وبحمده.