الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعدُ؛
الرفق سمت المسلم العام الذي يصبغ حركة حياته قولًا وفعلا، حبًّا للخير وحرصا عليه، ورحمةً بالخلق وشفقةً عليهم.
وهو الخُلق الذي جعله النبي -صلى الله عليه وسلم- خيرًا كلَّه، وجعله محبوبًا إلى الله جَلَّ وَعَلا في الأمر كله، وبَشَّر بالثواب العظيم لمن رُزَق الرفق،
وحسب العبد علمه بأن من أسماء الله سبحانه وتعالى الرفيق؛ ليكون هذا حاملًا إياه على التعبد بهذا الخُلق الشريف، والصبر على آثاره عند التعرض للناس، ترفعا عن مقابلة الأذى بمثله، وتخليصًا للنفس من حظوظها عند الغضب بالانتقام أو الغضب الذي يجاوز الحد.
وهو من الأخلاق التي تحتاج بصرًا وفقهًا في التعامل مع الناس؛ لأن بعضهم يفهم الرفق باعتباره مسايرة الناس، ومتابعة أهوائهم وتطلب عدم مخالفتهم، وهذا باطل.
فالرفق جُعِل لهداية الناس، وإيصال الحق لهم بألطف سبيل وأحسنه، وأجمل عبارةٍ وأيسرها..
ومتى عرف الفقيه البصير بالنفوس أن نفس الذي أمامه تحتاج شدةً ومخاشنةً لتعود عن غيها وإسرافها = فإن تلك المخاشنة من الرفق، كالذي يرى واقفًا على قضيب قطار وقد أقبل القطار مسرعا وهو في غفلةٍ، فلو لم يزجره أو يدفعه بقوة؛ لهلك..
فهذا الذي كان منه من الزجر والدفع الشديد هو عين الرفق في حقه، ولو تلطف فتأنى، ونادى بالصوت الخفيض، وجذبه بتؤدة وهدوء؛ لكان مفرطا مضيعا، ولم يكن رفيقا رحيما.
فالرفق محمودٌ في الأمر كله، بفقهه وشرطه وحكمة القائم به، فبعضهم يغلظ ويشتد ويأتي باللفظ يكون غيره خيرًا منه، ويقول: من الرفق الشدة أحيانا! وهذا خطأ..
وبعضهم يتلطف باللفظ الناعم في الموطن الذي لا يليق به،ويقول: إنما أردت الترفق!
والأمر من وراء هذا كله، وهو قائم على اجتماع أصلين شريفين: تعظيم الخَالِق سبحانه وتعالى، والشفقة على المخلوق.
والله أعلم.