هل يمكن للانتحار أن يكون حلا، وهل يكون المنتحر خالدا مخلدا في النار أبدا؟ يعني ألن يخرج أبدا؟ وهل هو كافر؟
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعدُ؛
لرجل مسلم أو امرأة مسلمة = لا يمكن أن يكون الانتحار حلًّا.
لماذا؟ دعنا نتأمل الافتراضات العقلية لأسباب الانتحار:
1- أن يكون الانتحار لأجل مشكلة عابرة يمرُّ بها الإنسان، مثل فشل في عمل، أو فراق حبيب، أو مشاكل أُسرية... إلخ،
فالذي يفكر في الانتحار لسبب مثل هذا تفكيره قاصرٌ جدًا؛ لأن هذه المشاكل لا يوجد إنسان على وجه الأرض لا يمرُّ بها، ولو أن كل إنسان واجهته مشكلة ذهب فانتحر لانتحرت البشرية جمعاء..
أقول: تفكيره قاصر بالمعايير الدنيوية أيضًا؛ لأنها مشكلة عابرة سيعقبها فرجٌ، وهذه حالة الدنيا، أن الإنسان فيها يمر بمنعطفات فيها البؤس وانفراجات فيها السعادة، فبمقياس دنيوي بحت في هذه الحالة = الانتحار فشلٌ ووهن وضعف عزيمة وانعدام إرادة، وليس حلًّا.
ويساعد في تخطي هذه الحالة السعي وراء النجاحات الصغيرة، وأن ينظر الإنسان في نفسه ماذا يمكن أن يُفيد فيه غيرَه، وما هي ميزته التي يمكن أن يُنمّيها.
2- أن يكون الانتحار من أجل مشكلة دائمة تواجه الإنسان، مثل مرض مُزمِن مُقعد، فهذا أيضًا لا يكون الانتحار حلًّا في حقه لأنه قد سبق وافترضنا أن السائل مسلم، مؤمن بالله -سبحانه وتعالى- والدار الآخرة، وأن هذه الحياة الدنيا قصيرة مهما طالت، وأنها زائلة لا محالة، وأن الآخرة هي دار القرار، وأن ما عند الله هو خير للأبرار..
وأن الذي يُنهِي حياته لأجل ابتلاء مثل هذا هو في الحقيقة مُستجير من الرمضاء بالنار، فالمنتحر في نار جهنم خالد مخلّد فيها أبدًا، ليس في النار فحسب، بل هو في النار تُعذب نفسه بنفس الطريقة التي قتل بها نفسه في الدنيا، وليس قتلًا يُنهي حياته للأبد بل هو ذوق للعذاب الذي اختاره لنفسه مرة بعد مرة في نار جهنم.
فالحسابات العقلية تقول: أن الإنسان لو عاش في الدنيا ألف سنة في عذاب دائم لا راحة معه هو أهون من لحظة واحدة يُغمسها في نار جهنم.
وفي الحديث الصحيح: (يؤتى بأنعم أهل الدنيا _من أهل النار_ يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة،
ثم يقال: "يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟"
فيقول: لا والله يا رب،
ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا _من أهل الجنة_ ، فيصبغ صبغة في الجنة،
فيقال له: "يا ابن آدم، هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟"
فيقول: لا والله يا رب، ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط.)
(أبأس أهل الأرض.. تخيّل أنه فقير ذليل مريض مُقعَد فقد أحبابه ولم يجد ما يأكله عاش في خوف أو في سجن أو في حرب أو في مجاعة).
كل ذلك يُنسى في لحظة واحدة.
- أنه بكل الحسابات لا يكون الانتحار حلًّا، بل هو وبال على صاحبه وفشل منه وضعف ووهن لا يُقدِم عليه إلا الضعيف المنهزم.
- إجراء الوعيد على ظاهره مطلوب ليكون أزجر وأردع وأكثر تخويفًا عند مخاطبة العامة، ولا يُفسر إلا عند الردود على أهل البدع من الوعيدية.
- المنتحر المسلم الذي مات على الإسلام هو مسلم، والمسلم مهما طال مكوثه في النار فهو خارج منه، ويحمل لفظ التخليد على طول المكث.
والله أعلم.