ياشيخ لجأت لعلاج الرياء باالإكثار من أعمال السر ...ولكن اتخيل في طاعاتي الخفية أن الناس ينظرون إلي ويمدحونني ...كده مرائي؟؟
هذه وساوس الشيطان فلا تلتفت إليها، فأعمال السر لا يدخلها الرياء قط، فالرياء من الرؤية، فيعمل الإنسان العمل ليري الناس عمله فيحمدوه، فإذا انتفت الرؤية أصلا لم يتصور الرياء فيها، كما حب السمعة لمن يعمل العمل ليسمع به الناس فيحمدوه، فإذا لم يسمع به أحد أصلا لإخفائه عمله، فلا تتصور السمعة، ولا حمد الناس له عليه وهم لا يطلعون على عمله!
وكما قال أبو حمزة السكري وقد سئل عن الإخلاص، فقال: (الخالص من الأعمال ما لا يحب أن يحمده عليه إلا الله عز وجل).
وإنما قد يفسد الشيطان على المخلص عبادته وعمله بالشك فيها، إما الشك في صحتها، أو الشك في قبول الله لها، ولهذا لا يشيع الوسواس في العبادة وصحتها عادة إلا بين أهل العبادة والصلاح والإخلاص، الذين صلحت نواياهم وأخلصوا فيها، فيعيدونها خوفا من بطلانها، حتى يرهقهم ذلك ويشق عليهم، وهذا من تلبيس الشيطان عليهم، فقد يأس من إفساد بواطنهم ونياتهم وقلوبهم، بسبب إخلاصهم لله وصدقهم، فلم يبق عنده إلا إفساد ظواهرهم وهي أعمالهم، فإذا لزم العابد السنة وتفقه فيها سلم من ذلك ونجا، كما قال الفضيل بن عياض (إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا، ولا يقبله إذا كان خالصا له إلا على السنة)..
فالسنة جاءت بإبطال الوسواس كلها وعدم الالتفات إليه سواء في الطهارة أو غيرها، كما في الرجل الذي سأل النبي ﷺ عن الرجل يخيل إليه في صلاته أنه يجد الشيء في بطنه، فقال له (لا ينصرف من صلاته حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا)، فأبطل الشك ورده لليقين وهو الحس..
فلا يترك المؤمن العمل الصالح خوف الرياء، ولا يعمل العمل الصالح رياء الناس، بل عُد ترك العمل نوع من الرياء الخفي حتى يُحمد العامل له على إخلاصه بعمله وإخفائه له!
كما قال الفضيل بن عياض (ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله عنهما)!
فلا يترك المؤمن العمل الصالح مطلقا خوف الرياء، لأن هذا الخوف في حد ذاته دليل الإخلاص، فإذا ترك العمل بسبب الخوف كأنما ترك العمل بسبب الإخلاص، ففاز الشيطان منه بما أراده بصرفه عن الطاعة!
فكل عمل تخاف عليه من الرياء فاعمله ولا تتردد، فإنه لا ياء فيه، وأخف من الأعمال ما شئت..
وكل عبادة أمر الشارع بعملها مع الجماعة كالصلوات في المساجد والحج والجهاد فلا ينبغي إخفاؤها، بل السنة ظهورها وإبداؤها، ولا يلتفت إلى وساوس الشيطان فيها، كمن يترك مسجد قومه وحيه ويصلي بمسجد لا يعرفه فيه أحد خشية الرياء، أو يجاهد في سبيل الله ويخفي نفسه ولا يكون تحت راية قومه، فليس شيء من ذلك مشروعا ولا سنة ولا ورعا..
بخلاف العبادات التي تشرع في البيوت وأوقات الخلوات كقيام الليل، وصدقة السر..
ولا ينبغي الانشغال في تحقيق النية وتحقيق الإخلاص حد الوسوسة، بل يطمئن العبد إلى نيته على سجيته وفطرته وبديهته، ويعلم بأن أعمال السر هي براءة لأعمال الظاهر من النفاق والرياء، فكل من كان له عمل لا يعلمه إلا الله، فليطمئن بأن أعماله التي تظهر للناس كالصلوات والحج والجهاد والصوم هي لله أيضا..
وليعلم المؤمن بأن المنافق والمرائي قليلا المحافظة على الفرائض، والعمل الصالح، والذكر لله، كما قال تعالى ﴿ولا يذكرون الله إلا قليلا﴾، فكلما حافظ العبد على الفرائض، أكثر من النوافل، كان ذلك براءة له من النفاق والرياء، لأنهما لا يتصوران أصلا من منافق أو مرائي!
وكما قال أبو عثمان سعيد بن عثمان السمرقندي العابد المجتهد، قال لي أستاذي أبو عثمان سعيد بن إسماعيل (إنك تنسب إلى الرياء والسمعة؟! وكل شيء في كثرة صلاة فلا ينال به، ولا تدع عادتك فيها).
يعني استمر فلا رياء مع كثرة الصلاة، مهما قيل بأنك مرائي!