الذي جاء في النهي عن الصّوم إذا انتصف شعبان هو حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى رمضان" وهو حديث خرّجه الإمام أحمد وأصحاب "السّنن" وغيرهم ...
قال ابن رجب في "اللطائف" ص 135 : " فأما تصحيحه فصححه غير واحد منهم الترمذي وابن حبان والحاكم والطحاوي وابن عبد البر وتكلم فيه من هو أكبر من هؤلاء وأعلم وقالوا: هو حديث منكر منهم عبد الرحمن بن المهدي والإمام أحمد وأبو زرعة الرازي والأثرم ،
وقال الإمام أحمد : لم يرو العلاء حديثا أنكر منه وردّه بحديث: "لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين" فإن مفهومه جواز التقدم بأكثر من يومين ،
وقال الأثرم الأحاديث كلها تخالفه : يشير إلى أحاديث صيام النبي صلى الله عليه وسلم شعبان كله ووصله برمضان ونهيه عن التقدم على رمضان بيومين فصار الحديث حينئذ شاذا مخالفا للأحاديث الصحيحة " .
قلتُ : ولهذا تحاشاه مسلم فلم يخرّجه في "صحيحه" مع كونه على شرطه في الظاهر .
قال ابن رجب : " وقال الطحاوي هو منسوخ وحكى الإجماع على ترك العمل به وأكثر العلماء على أنه لا يعمل به ، وقد أخذ آخرون منهم الشافعي وأصحابه ونهَوْا عن ابتداء التطوع بالصيام بعد نصف شعبان لمن ليس له عادة ووافقهم بعض المتأخرين من أصحابنا ـ يعني الحنابلة اهـ .
قلتُ : والذي يتوجّه به النّهي على تقدير ثبوته أو تمشيته في أبواب الكراهة هو كون علته الإضعاف ؛ فالأصلح في النصف الثاني التقوي بالفطر تهيؤا لرمضان ، ويجوز بلا كراهة لمن لا يضعف أن يصوم النصف الثاني أيضا ، فهذا التّفصيل هو الأقرب لأجل تعارض النهي الضعيف في ثبوته ودلالته مع الأحاديث الصحيحة التي في فضل صومه بلا تخصيص ، والله تعالى أعلم .