900      6936
  • هل يمكن للشخص أن يرفض نصيبه؟
  • القاسم نبيل الأزهري
    القاسم نبيل الأزهري
    مدرس مساعد بكلية أصول الدين - الأزهر
  • هل يمكن للشخص أن يرفض نصيبه؟
     
    الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعدُ؛
     
    القَدَر غَيْبٌ عنا، والإنسان يأخذ قراراته بناء على المعطيات المعروفة له، ولا يصح أن يختار الخيار الخاطىء ويَدِّعي أن هذا هو الُمقَدَّر له، ويجعل القَدَر حجة له على الاختيار الخطأ، فإن هذه طريقة فاسدة، وقد كان المشركون يختارون الخيار الخاطىء فيشركون بالله ﷻ ويعبدون معه غيره ويضادون شرعه، ثم يتعللون بأنه لو شاء الله ما فعلنا ذلك، فهذه طريقة فاسدة حَذَّرَ منها القرآن الكريم، لأن القَدَر ليس حجة لأحد على الكفر أو الظلم أو المعاصي أو القرارات الخاطئة، ولكن على الإنسان أن يسعى لمعرفة الحق والأخذ به، فإن كان في أمور الديانة فيعرف ذلك من خلال وحي الله ﷻ لرسله -عليهم الصلاة والسلام-، ومن خلال الحاملين له والناقلين والعالِمين به، ولا يصنع مثل المشركين الذين ذَمَّهم الله عَزَّ وَجَلَّ وذَمَّ طريقتهم.
     
    وإن كان في أمور أخرى تُعرَف بالتجربة والخبرة والفكر والعادة فيسلك لذلك مسالكه، ويسأل من لديه معلومة تنفعه في ذلك، فيجتهد في أخذ القرار الأصلح له في دينه ودنياه، ويأخذ بأسباب ذلك قدر وسعه، ويستشير ويستخير، ويتوكل على الله عَزَّ وَجَلَّ، ويسأل الله ﷻ الهداية والسداد والتوفيق، ثم مع أخذه بتلك الأسباب كلها يعلم ويوقن أنه لا يكون في ملك الله إلا ما يريد الله ﷻ، وأن كل أحد مُيَسَّر لما خُلق له، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن قضاء الله ﷻ نافذ لا محالة، فهذا الاعتقاد والإيمان بالقَدَر، وبأن الله عَزَّ وَجَلَّ يعلم ما في السماء والأرض، وبأن كل شيء في الكتاب مسطور، وأن كل شيء خَلقَه الله بِقَدَر، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، كل ذلك اعتقاد صحيح، لكنه لا يكون مبررا لترك الاجتهاد في اختيار الأصلح في الدين والدنيا حسب الوِسع والطاقة إلا على طريقة المشركين التي ذَمَّها الله جَلَّ جَلاله.
     
    فإذا بذل الإنسان وِسعه واجتهد وأخذ بالأسباب لا يلوم نفسه بعد ذلك إذا حصل خلاف مراده، ولا يفرح فرح بطر وغرور إذا حصل ما أراده، بل يعلم أن ذلك قضاء الله وقَدَره، لولا أنه سبحانه شاء ما كان لما كان، وأن الفرح والألم في الحياة الدنيا مؤقت وفي طَيِّه ابتلاء، ليظهر الشاكر والصابر من الجاحد والساخط، ويظهر العابد لله حقا من الذي يعبد الله على حرف، نسأل الله الهدى والسداد والتوفيق والنجاة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
     
    والله أعلم.