الحمدُ لله، والصَّلاة والسَّلام على رسولِ الله، أمَّا بعد؛
أهل بيت النبوة هم أهله الذين كانوا فيه، وكانوا ساكنيه مع رسول الله ﷺ، كما قال الله سبحانه وتعالى مخاطبا أمهات المؤمنين: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا .. وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.}
وقال ﴿عنكم﴾ لدخول النبي ﷺ ومن معه من الرجال من أهل بيته كعلي رضي الله عنه في الغاية وهو التطهير ودفع الرجس عنهم جميعا رجالا ونساء.
وكما قال الله سبحانه وتعالى مخاطبا نبيه إبراهيم ﷺ وزوجته سارة: {أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد} ولم يكن لهما حينها ذرية..
وكما قال الله تعالى عن نبيه موسى ﷺ وزوجته: {فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله}
وفي الصحيحين في قصة الإفك على أم المؤمنين السيدة عائشة -رضي الله عنها- خطب النبي ﷺ الناس فقال: (من يعذرنا في رجل بلغني أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت من أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا).
وفي الترمذي وصححه ابن حبان: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي).
فأهل الرجل في لغة العرب وخطاب الشارع قرآنا وسنة: زوجته أصلا، وذريته ومن يسكن فيه معه تبعا، كما قال نبي الله سيدنا نوح -عليه الصلاة والسلام- عن ابنه {رب إن ابني من أهلي}..
وفي مقاييس اللغة ١/ ١٥٠ (قال الخليل: أهل الرجل زوجه. والتأهل التزوج. وأهل الرجل أخص الناس به. وأهل البيت: سكانه)، وكما روى أبو داود بإسناد صحيح عن عوف بن مالك: (أن رسول الله ﷺ كان إذا أتاه الفيء قسمه في يومه، فأعطى الآهل حظين، وأعطى العزب حظا، فدعيت فأعطاني حظين، وكان لي أهل، ثم دعي بعدي عمار بن ياسر فأعطي حظا واحدا).
وأما حديث شهر بن حوشب عن أم المؤمنين السيدة أم سلمة -رضي الله عنها- في قصة الكساء وقولها (ألست من أهلك؟) فلفظ غريب، وإسناد ضعيف، واضطرب الرواة في حديثها، ولم يسمعه عطاء منها ولا من ابنها عمر..
والصحيح هو حديث أم المؤمنين السيدة عائشة في صحيح مسلم (خرج النبي ﷺ غداة وعليه مرط مرحل، من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}).
وقريب منه حديث واثلة في صحيح ابن حبان، وفي آخره قال واثلة وكان في ناحية البيت (وأنا من أهلك يا رسول الله؟ قال وأنت من أهلي، قال واثلة وإنها لأرجى عملي) وكان واثلة من أهل الصفة، وخدم النبي ﷺ مدة في بيته في سنة تسع، فيدخل في عموم أهل البيت.
فهذا هو القدر الذي يصح في قصة الكساء، لا أن الآية نزلت فيهم حصرا، ولا أن أم المؤمنين السيدة أم سلمة -رضي الله عنها- سألت هل هي من أهله! ولا يتصور من عربية قرشية كأم سلمة لا تعرف أنها من أهل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي زوجته وفي بيته والآية تخاطب نساء النبي ﷺ !
وقد نزلت الآية بعد غزوة الأحزاب سنة خمس للهجرة، والحسين ولد آخر سنة أربع، فلا يتصور من طفل يحبو أن يدعوه النبي ﷺ أو أن يأتي مع أبيه وأخيه كما ورد في بعض الروايات!
وإنما قصة الكساء في السنة العاشرة حين أسلم واثلة وخدم النبي ﷺ وكان عمر الحسين نحو ست سنين، وهذا بعد نزول الآية وسورة الأحزاب بخمس سنين، وليس في القصة إلا كونهم من أهل البيت وأن النبي ﷺ دعا لهم وهذا لا خلاف فيه.
وآل النبي أعم من أهل بيته، فآل الرجل عشيرته التي يؤل ويصير إليها، وهم قرابته ﷺ وعشيرته من بني هاشم وبني المطلب الذين حرمت عليهم الصدقة في حياته وأعطاهم من الخمس، كما قال (إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد).
وأما آله ﷺ في الصلاة الإبراهيمية (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد) فتعم أتباعه وأنصاره، فآل الرجل في اللغة تعم قومه وأتباعه وأنصاره كما في آل فرعون {أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} وهم قومه وجنوده.
والله أعلم.