755      260
  • هل صحيح أن "آزر" عم إبراهيم عليه السلام وأن أباه كان مسلما؟
  • أ.د. حاكم المطيري
    أ.د. حاكم المطيري
    أستاذ التفسير والحديث - جامعة الكويت
  • هل والد سيدنا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- كان مسلما أم كافرا؟ أنا أعلم أنه لم يكن مسلما ولكن سمعت مقطعا للشيخ الشعراوي يقول فيه أنه مسلم والذي ذُكِر في القرآن الكريم عمه وليس أبيه لأن العرب تطلق على العم أبا.. فهل هذا صحيح؟

     

    الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، أمَّا بعد؛

     

    القرآن الكريم ذكر قصة "نبي الله" سيدنا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- وأبيه وفيها بيان كفره وبراءة سيدنا إبراهيم ﷺ منه..

     

    وتكرر لفظ أبيه سبع مرات، ولم توجد قرينة لفظية -ولا عقلية ولا شرعية- تصرف لفظ أبيه عن ظاهره إلى عمه ولو مرة واحدة، فيبقى اللفظ على الأصل وهو الظاهر كما قال الله عَزَّ وجَل: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين}

     

    وقال الله جَلَّ جَلاله عنهما في سورة مريم: {واذكر في الكتاب إبراهيم.. إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا... قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا . قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا}

     

    ثم نهاه الله تعالى عن الاستغفار لأبيه بعد أن أصر على شركه وكفره؛ كما في قوله تعالى: ‏{ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربي من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم . وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه}

     

    وقال تبارك وتعالى: ‏{قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء}..

     

    والعرب تطلق على العم أبا - كما في قول "نبي الله" سيدنا يعقوب ﷺ لبنيه: ‏{ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} ، فذكروا أن "نبي الله" سيدنا إسماعيل ﷺ من آبائه وهو عمه - وهذا لا يعني حمل لفظ الأب على خلاف ظاهره بلا قرينة، وهنا القرينة ظاهرة..

     

    فلا خلاف بين أهل العلم أن سيدنا يعقوب ﷺ هو ابن سيدنا إسحاق ﷺ ابن سيدنا إبراهيم ﷺ خليل الله تعالى وأبو الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بنص القرآن؛ كما في بشارة الله تعالى لسارة زوجة سيدنا إبراهيم ﷺ..

     

    قال الله عَزَّ وجَل :{فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب}

     

    وبإجماع أهل العلم بالنسب من العرب وبني إسرائيل؛ كما قال رسول الله ﷺ عن سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام : (الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام)!

     

    وكما يجوز عقلا وواقعا أن يكون ابن النبي كافرا؛ كما كان ابن نوح كما جاء في القرآن الكريم..

     

    قال الله عَزَّ وجَل: {ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين.. ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي...}

     

    كذلك أبو النبي قد يكون كافرا، ولا علاقة للإيمان والكفر بالنسب؛ كما قال رسول الله ﷺ لأهل بيته؛ كما في الصحيحين: (يا بني عبد المطلب، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت رسول الله، سليني بما شئت لا أغني عنك من الله شيئا).

     

    وقد قال رسول الله ﷺ كما في الصحيح: (يلقى إبراهيم أباه يوم القيامة، فيقول: يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون، فيقول الله: إني حرمت الجنة على الكافرين).

     

    والخلاف المذكور في آزر ‏﴿لأبيه آزر﴾ هل هو اسم لأبيه أو وصف، أو اسم للصنم، لا ينفي كون المخاطبة هي بين إبراهيم وأبيه تارح، سواء كان آزر اسما آخر له، أو وصفا له، كما ذكره الطبري وأئمة التفسير، ولم يختلفوا في كون المحاورة بين "نبي الله" سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام و بين أبيه!

     

    والله أعلم.