514      1351
  • الله كريم، لكني يائسة من نفسي وأجد علامات الخذلان وعدم القبول
  • أحمد سالم
    أحمد سالم
    المدير العام لمؤسسة (أكاديميك) للدراسات والأبحاث والاستشارات
  • أنا يائسة من نفسي جدا، ما وصلتُ أبدًا لمرحلة الاستسلام هذه، فالله كريم لكني لا أمل فيّ، أقرأ علامات الخذلان وعدم القبول فأجدها تنطبق عليّ.. هذه أول مرة أشتكي ما بي من سوء لغير الله لكن لعلك تنصحني بما ينفعني.

     

     

    أستغل سؤالك ليكون جوابا عليه وعلى سؤالين آخرين كانا صريحين لكني لا أحب نشرها بهذه الصيغة. 

     

    يا جماعة بصفة عامة: أنتم لا تصفون حالات نادرة أو شاذة.

    لستم شعرة سوداء في جسد أبيض.

     

    وكم كررتُ كثيراً: أخطر شيء هو أن يقنط الإنسان من رحمة ربه، ولا طريق لقنوط الإنسان أيسر من أن يحقر الإنسان نفسه ولا يرى نفسه أهلا لطاعة.

     

    معظم ما تذكرونه هو من صغائر الذنوب، لا أقول هذا لأهونه عليكم فإن من هون الذنب في حق الله عظُم، لكن أقول هذا؛ لأن وضع الذنب في منزلته الصحيحة يعين الإنسان على تجاوزه.

     

    لا أحد مبرأ.

    الكذب والغيبة والنميمة أعظم من كل الذنوب التي ذكرتها الأخوات في رسائلهن التي لم أنشرها، فلو سلم الإنسان من آفات اللسان تلك وحافظ على الصلاة المكتوبة والرواتب وورده من القرآن والذكر، ثم عصى الله بتلك المعاصي كل يوم وكلما عصى = تاب، فهو والله على خير.

     

    لا تيأسن من روح الله قط.

     

    الطريقة التي تكتبن بها ويكتب لي بها بعض الإخوة شبيهة بالضبط بحال من أصيب بأنفلونزا فتعكر مزاجه حتى تساهل تساهل فنُقل له دم فاسد أصابه بالإيدز.

    لا أهون من شأن الأنفلونزا فهي نفسها قد تتطور لالتهاب رئوي يقتل.

    لكني أحذر من تعظيم الذنوب بصورة تؤدي لتهدم الجهاز المناعي للإنسان كله.

     

    إن الشريعة لم تهون من الذنوب عندما قسمتها لصغائر وكبائر وذكرت اللمم وذكرت كبائر ما تنهون عنه، إنها بهذا تحدد الأوزان النسبية بدقة كي لا يخدع الإنسانَ الشيطانُ فيوبق آخرته بسبب ضيق ذنب أصابه.

     

    في صحيح مسلم حديثان:

     

    الأول: عن حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها، نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها، نكت فيه نكتة بيضاء ، حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا كالكوز، مجخيا لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه»

    وفي هذا الحديث الحذر من استدامة الذنوب والإصرار عليها بلا توبة؛ كلما أذنبت فتب، كلما أذنبت فتب، والله لا يمل حتى نكون نحن من تسرع إلينا الملالة.

     

    والحديث الثاني: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إني عالجت امرأة في أقصى المدينة، وإني أصبت منها ما دون أن أمسها، فأنا هذا، فاقض في ما شئت، فقال له عمر: لقد سترك الله، لو سترت نفسك، قال: فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، فقام الرجل فانطلق، فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم رجلا دعاه، وتلا عليه هذه الآية: {أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل، إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين} [هود: 114] فقال رجل من القوم: يا نبي الله هذا له خاصة؟ قال: «بل للناس كافة».

    فهذا الفعل من ذاك الرجل أعظم من الذي تشكون منه، فانظروا ما جواب رسول الله وانظروا بعد ذلك كيف تعامل صحابة رسول الله معه، وهو صحابي منهم.

     

    فكاثروا الذنوب بالطاعات والحسنات، هي معركة لكم جولة وللشيطان جولة والعبرة بالخير الذي يغلب الشر وقد جعل الله الحسنة بعشر أمثالها.

    الحياة طويلة عسرة، تحتاج لسياسة ومجاهدة، وكلنا حتى من يكتب لكم= نذنب، ذنوبا من جنس هذه الذنوب ومن أجناس أخرى والله أعظم منها، وإن غلا يبيت في قلبي على مسلم أعظم عندي من لو أصبت امرأة دون الزنا.

    والمؤمن يطلب السلامة من كل شر، والعافية من كل خطيئة، مع علمه أن ذلك لا يكون، ولكنه إذا سأل هذا كانت عاقبته أن الله يوفقه للتوبة.

     

    ليست عظمتنا أننا لا نذنب، عظمتنا في هذه النار التي تستعر داخلنا من كراهية الذنب.