المؤمن يعبد الله على مراد الله لا على مراد نفسه وهواها...
وليس هناك عبادة أحرار أو عبادة تجار ولسنا في مسرح منوّعات أو بصدد قائمة فرز وتصنيف...
العبادة هي العبادة لها حقيقة ولها دليل يبرهن عليها ولها أنصار يتوسّلون بها لمعبودهم الذي خلقهم وهداهم ووعدهم على ذلك في الدنيا بالأمن والهدى والنصر والتمكين وفي الآخرة بعقبى الدار...
والعبادة: هي كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة -كما قال شيخ الإسلام رحمه الله- وبحسب المقدار الذي يأتيه العبد ويصيبه من هذه الحقيقة يزيد إيمانه ويظل يرتقي حتى يصل لدرجة الأبرار والمقرّبين في نعيمٍ وعِلّيّين، وبحسب المقدار الذي يصيبه من مخالفة هذه الحقيقة ينقص إيمانه ويظل ينحط حتى يصل لدرجة المنافقين...
وهكذا بحسب خطواته في القرب أو البعد يزيد إيمانه أو ينقص... فمن شاء تقدّم ومن شاء تأخّر، وكلّ الناس يغدو فبائعٌ نفسَه فمُعتِقها أو موبِقها...ولا يظلم ربّك أحدا.
√ الحاجة والفقر لفضل الله وثوابه ومدده صفةٌ لا يمكن أن تنفكّ عن ذات العبد كما أن الغِنى المطلق وصف لازم لله...كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
والفقْرُ لِيْ وصفُ ذاتٍ لازمٌ أبدًا...
كما الغِنى أبدًا وصفٌ له ذاتِي
والله قال: "يا أيها الناس أنتم الفقرء إلى الله والله هو الغنيّ الحميد"... فهذا فقرٌ عام يستغرق كلّ ذرّةٍ فينا لله ذي الغِنى المطلق العام الشامل...وهذا مما يفخر العبد به لا أنْ يتنصّل منه...وكيف له أن يتنصل أصلا!!
√ موضوع: أعبد الله حبا فيه لا قصدا لجنته أو خشية من ناره!! وغيرها من عبارات رابعة العدويّة في النسخة السينيمائيّة الدراميّة...هذا كله كلام فارغ وقصور إرادي وعقلي!!
لماذا؟؟
لأنني لو سألتك الآن: ألستَ تعبدُ اللهَ ترجو رحمتَه التي هي صفةٌ لا تنفكّ عن ذاته المقدسة؟ نعم أنت كذلك... أقول لك: والجنّة إنّما هي أثَرٌ من آثار رحمةِ الله التي ترجوها فلا ينفصلان... ليست الجنة يا صاحبي شريكا لله يُفردُ بالقصد دونه فتخاف أن ترجوها، إنما نقصد اللهَ ذا الرحمة الواسعة ونرجو جنته التي هي من آثارها ودلائلها.
√ اتفقنا على أنّك تعبد الله على مراد الله...ومراد الله أن نطلب جنته ونخاف ناره... فمدح المؤمنين بذلك فقال: "أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ..." الآية.
يحذر الآخرة: يعني: يفعل ما يفعل من القنوت في الأسحار لأجل أنه يحذر عذاب الآخرة ويرجو رحمة الله وهي جنّة الآخرة.
وقال الله: "ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ".
أي: الإخبار بأهوال النار لأجل أن يخشاها الناس ويحذرون منها فيتوبون ويؤمنون.
وأنتَ حينما تدخل الجنة إن شاء الله ستجلس مع إخوانك من المؤمنين وتتذاكرون أحوالكم في الدنيا وتقولون: "إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ. فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ. إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ".
فلولا شفقتهم من العذاب ودعائهم الله أن يخلصهم منه ويدخلهم جنته لما حصل ما حصل لهم من قبول الله لهم ولطفه بهم.
فاعبد الله كما أرادك ودلّك وهداك.