لا غير صحيح؛ بل الدعاء من أجلّ العبادات، وأشرف المقامات، سواء دعاء الذكر والثناء على الله، أو دعاء السؤال منه، كما في الحديث: (الدعاء هو العبادة)، وهو أظهر صور العبودية لله؛ ولهذا لا تخلو منه عبادة، وسورة الفاتحة وهي أم القرآن والسبع المثاني كلها دعاء، فأولها دعاء ثناء ﴿الحمد لله رب العالمين...﴾ وآخرها دعاء سؤال ﴿اهدنا الصراط المستقيم...﴾، وفي الحديث: (من لم يسأل الله يغضب عليه)، كما في قوله تعالى: ﴿وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي﴾ يعني دعائي ﴿سيدخلون جهنم داخرين﴾..
وإنما أشرك المشركون بالله بسبب الدعاء؛ فهم يدعون معبوداتهم لدفع الضر ولجلب الخير الدنيوي أو الأخروي ﴿حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين﴾..
ولهذا كان من أشرف مقامات الأنبياء؛ كما أخبر القرآن عنهم أنهم ﴿كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين﴾ ..
وكما قال تعالى: ﴿ادعوا ربكم تضرعا وخفية﴾، قال القرطبي في تفسيره (هذا أمرٌ بالدعاء وتعبُّد به، ثم قرن جلّ وعز بالأمر صفاتٍ تحسُنُ معه، وهي الخشوع والاستكانة والتضرع. ومعنى خُفْيَةً أي سراً في النفس ليبعد عن الرياء..).
ولعظيم مكانة الدعاء؛ جعل الشارع له آدابا ليكون أحرى للإجابة، كالوضوء له، واستقبال القبلة، ورفع اليدين، والتضرع بين يدي الله بالحمد والثناء، ثم سؤاله الحاجة، والصلاة على النبي ﷺ قبلها أو بعدها..
كما في الحديث: (إذا سألتم الله، فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها).
وقال ﷺ: (إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا).
وقال ﷺ (إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه والثناء عليه، ثم يصلي على النبي -ﷺ- ثم يدعو بعد بما شاء).
وفي الحديث: (أن رسول الله -ﷺ- سمع رجلا يقول: اللهم إني أسالك: أني أشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، فقال: لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب).
وقد جعل الشارع من آداب الدعاء أيضا الصلاة له، لمن حزّ به أمر أو أراد حاجة أو استخارة؛ فيتوضأ ويصلي ركعتين يسأل الله فيهما حاجته ويستخيره، كما في الصحيحين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: (كان رسول الله ﷺ يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: "إذا هم أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال عاجل أمري وآجله - فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال في عاجل أمري وآجله - فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني " قال: ويسمي حاجته).