270      2573
  • كلما تقدّم لي خاطب متديّن يطلب أن أنتقب؟ لستُ مقتنعة.
  • القاسم نبيل الأزهري
    القاسم نبيل الأزهري
    مدرس مساعد بكلية أصول الدين - الأزهر
  • ليه كل ما ييجي يتقدم شخص متدين يبقا عايزنني أنتقب؟ انا مش مقتنعه بالنقاب وهو بيقول انه فرض ومينفعش اطلع بوشي مكشوف.. انا كده علي حق ولا هو؟ تعبت بجد.

    (مش مقتنعة بالنقاب) = أحب أن أبدأ من هذه الكلمة لأقول لك شيئا، وهو أنَّ قناعتك الشخصية ليست معيارا يُعرف من خلاله حكم النقاب أو غيره، لا قناعتك ولا قناعته ولا قناعة أحد من الناس استقلالا، لأنَّ الأحكام الشرعية تؤخذ من الأدلة الشرعية وليس من قناعات الناس الشخصية إلا أن يُستَدل عليها من قناعات الفقهاء المعتبرين بشرائطها. نتفق على هذا أولًا.

     

    ثم بعد الاتفاق نقول: النقاب الذي هو ستر الوجه وتغطيته محل خلاف بين العلماء، فمنهم من أوجبه، ومنهم من استحبه، فعلى الأول والثاني من التزمت به ابتغاء مرضاة الله لا رياء ولا سمعة أُثِيبَتْ على ذلك، ومَن لَمْ تلتزم به أَثِمَتْ على القول الأول، ولَمْ تَأثَم على القول الثاني، وإنَّما تكون قد تركت الأفضل فقط، ولا إثْم عليها، بل هي مُثابة على حجابها.
     
    لكن من قلَّدت أحد القولين ليس لها أن تقول أنها مقتنعة أو غير مقتنعة بالقول الآخر، هذا ليس مِن وظيفتها، إلا أن تكون من أهل العلم والترجيح بين مذاهب العلماء، وإلا فمن يقلد أهل العلم ليس له أن يصحح ويخطّىء ويُرجِّح ويزيِّف، لأن هذه الوظائف لها شرائط وضوابط، فمَن لم يكن متحققا بها ليس له أن يتلبس بتلك الوظائف.
     
    ومِن هنا نعلم: أنَّ المُناظرات التي تُعقَد بين الفتيات في ترجيح وجوب النقاب أو استحبابه، وسَوْقِ الأدلة والاستنباطات مِن النصوص الشرعية، دون معرفة منهن بطرق الاستنباط وطرق التصحيح والتعليل ومسالك الجمع بين الأدلة، وغير هذا مما هو مقرر في أصول الفقه = مسلك خاطىء، ينبغي أن تَتَنكَّبَه الفتيات، وإنما يكتفين بمعرفة وجوب الحجاب في الشريعة إجمالا كما دل عليه القرآن، لأن هذا معلوم بالضرورة من دين المسلمين، ثم يُقلِّدن أحد العلماء المجتهدين في تفاصيل هيئة الحجاب وشروطه ومواضع الستر والكشف ونحو ذلك، ثم يتركن ما وراء ذلك من الجدل، ويجتهدن في التحقق بسائر شعب الإيمان وشعائره الباطنة والظاهرة المتفق على وجوبها، كالصلاة والحياء وحفظ اللسان، وغير ذلك.
     
    حسنا، وصلنا الآن إلى سؤالك..
     
    أنتِ مثلا تقلدين مَن يرى أن النقاب مستحب غير واجب، كما قال بهذا طائفة من أهل العلم، وتختارين لنفسك أن تلتزمي بالحجاب دون نقاب، مع قناعتك بأن ثَمَّة قَول آخر للفقهاء يرى الوجوب، وليس معنى هذا أنك غير مقتنعة بالنقاب، هذا تعبير غير صحيح، ومعنًى لا يصح، بل أنت مقتنعة به، لكنك اخترت تقليد مَن قال باستحبابه وعدم وجوبه، فاكتفيت بالحجاب دون نقاب.
     
    والآن جاءك خاطب، هذا الخاطب يُحِبُّ أن تكون زوجته مستورةَ الوجه عن الأجانب، ولا يحب أنْ يراها غيره، لا أخ ولا صديق ولا قريب، إلا هو ومحارمها، سواء كان يعتقد وجوب النقاب أو استحبابه، لكنه يغار أن يرى أحد وجه زوجته .. وجَلَستُما معا للرؤية الشرعية والاتفاق، فأخبركِ برغبته، وأخبرتيه برغبتك، دون نقاش في الحكم الشرعي له، لأنكما متفقان على مشروعيته، ثم إما أن تتفقا أو تختلفا حول ما ستصنعين في تلك النقطة، ثم إما أن تمضيا وتكملا، أو يذهب كل امرىء لسبيله ويختار مَن يُناسبه ويحقق رغبته، بكل أدب وذَوق واحترام من الجانبين، لكن من باب النصيحة الشخصية لك أقول: إذا كان الشخص المتقدم مناسبا لك، فلا حرج أبدا مِن أنْ تُوافِقي على لبس النقاب، حتى لو كنت تعتقدين استحبابه وعدم وجوبه، البَسيه مِن باب فعل المستحب، ليس في هذا أي إشكال، ولا تُفَرِّطي في زواج مناسب لك لمجرد أنَّ الرجل يَغار عليك ويحب لك مزيد ستر، وأنت في هذا ما خرجت عن قناعتك، إنما لبستيه معتقدة استحبابه تقليدا لمن قال بهذا من أهل العلم. وانتهى الموضوع.
     
    وفقكم الله وأصلح لكم الأحوال.