لا تحديد لعمر الطّفل الّذي يجب على المرأة أن تحتجب منه عند جمهور الفقهاء؛ وإنّما يُقدّر ذلك عندهم بحسب القرائن الّتي تدلّ أنّه صار في موضوع الجنس والعورات مميّزًا؛ وهذا كنظراته للمرأة وكلامه في وصف مفاتنها.
ودليل ذلك = إناطة الآية الأمر هنا بنفس الظهور على عورات النساء؛ قال تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن .. أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء)، فلم تُنِطْ ذلك بعمر معيّن، وكذا ما في حديث أمّ سلمة أن النبي ﷺ دخل عليها فسمع مخنثا وهو يقول لعبد الله بن أبي أمية: إن يفتح الله الطائف غدا دللتك على امرأة تقبل بأربع وتدبر بثمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل هؤلاء عليكنّ"، وفي لفظ قال: "أخرجوهم من بيوتكم".
وهذا مع ما يشهد به الواقع أيضًا من تغيّر العمر الّذي يحصل ذلك من طفل لآخر ومن بيئة لأخرى ومن عصر لعصر.
ولذا يُعتبر في عصرنا هذا انتشار أسباب معرفة الأطفال بذلك حيث سهل الاطلاع على مثله بسبب ظهور وسائل الإعلام والاتصال مع انتشار أسباب الفساد الكثيرة في الواقع، وهذا ما يجعل كثيرا من الأطفال الآن يميّزون أمر العورات في عمر متقدّم.
وأمّا قول الإمام أحمد لمّا سئل: متى تغطي المرأة رأسها من الغلام؟ قال: إذا بلغ عشر سنين.
فهذا يُحتمل أنّه = [تحديد] من الإمام خالف فيه الجمهور، وانتزعه من حديث: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع"، ويكون استفاد ذلك من الظّرف المذكور في الجملة الوسطى الّتي عطف عليها جملة الأمر بالتّفريق بين الجنسين في ذلك العُمر؛ بما جعل ذلك العمر كالمنصوص عليه في مثل هذه المسائل مع انضباطه.
لكنّه يُحتمل أيضًا أنّه = [تقدير] من الإمام للعمر هنا بحسب عرفهم الجاري في زمنهم والغالب فيه؛ فلا يكون أحمد قد خالف في ذلك الجمهور.