الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أولًا: إن كنتِ تواظبين على قراءتها بصدقٍ وإخلاص وتجرد فقد أصابتك بركتها بلا شك، أدركتِ ذلك أم لم تدركيه، جلبت لك خيرًا، ودفعت عنك ضرًا، ويسّرت لكِ ما لم يكن ليتيسر إن لم تواظبي عليها، وقبل كل ذلك وأعظم منه أنها كانت سببًا في رضا الله جل وعلا، وزيادة حسناتك وإذهاب سيئاتك، ولا يشترط أن يكون محل هذه البركة هو مطلوبك بعينه.
ثانيًا: هناك مفهوم خاطئ منتشر بين الناس نتيجة خطاب وعظي غير ناضج، وهو إن الدعاء وأعمال البر أشبه بمصباح علاء الدين، الذي يحوزه الإنسان ليلبي له جميع رغباته، والله جل وعلا لم يقل هذا وما قاله نبيه صلى الله عليه وسلم، نعم الله يسمع دعاءك ويستجيبه، لكن الاستجابة ليست محصورة في تحقيق مطلوبك بعينه، ولكن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذاً نكثر قال: الله أكثر"، فهذه الخصال كلها داخلة في معنى الاستجابة، بل لو كشف الله الحجب للإنسان لعلم أن الخصلتين الآخرتين كثيرًا ما تكونان خيرًا له من تعجيل دعوته ومطلوبه، وعلى كلٍ، فهذا من مقضيات حكمة الله في تدبير الكون، لأن كثيرًا من دعوات الناس تقتضي خرق هذه القوانين المطلوبة، فكل الناس يدعو لنفسه وأهله وذويه بالصحة وعدم الموت واجتناب البلاءات وتحقيق جميع المطالب والغنى .. إلخ، ولا يمكن لاختبار الحياة أن يتم مع هذه الأمور، فكيف سيُبتلى الإنسان إذن؟ كيف سيُعلم الشاكر من الجاحد؟ كيف سيظهر الصابر من الجازع؟ كيف سيتبين المؤمن من المنافق؟ .. "أحسبِ الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون"؟
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بهداية عمه مثلًا فلم يهده الله جل وعلا، لأن هذا هو مقتضى الحكمة الإلهية، وأشباه ذلك كثير.
ثالثًا: هل هذا يعني أن نتوقف عن الدعاء وأن تتوقف عن قراءة سورة البقرة وعن طلب مقصودك من الله؟
لا، بل إن الله يحب الإلحاح في الدعاء، وقد لا يستجيب الله للعبد إلا بعد تكرار الدعاء والتذلل أكثر من ألف مرة، قد يقضي الله بتيسير أمرك بعد سنةٍ أخرى من المواظبة، لا ندري، لكن المقصود أن يوقن الإنسان أن عبادته ودعاءه لا يأتيان إلا بالخبر ما دام صادقًأ مخلصًا، وأن هذا الدعاء وذلك العمل سينفعه لا محال، وسيتحقق معه مطلوبًا أو ما هو مثله أو ما هو أفضل منه، لكن ليس بالضرورة أن يعطيه الله عين ما سأل، فينبغي حينئذ أن يلتزم مقام العبودية، فلا يجزع ولا يشك في كرم ربه وجوده ولا ينقطع عن الطاعة، بل يعلم أن هذا من بلاءاته، لأن البلاء قد يكون وجود مكروه أو غياب مطلوب، فليظهر لله صبرًا ورضا، وما عند الله خيرٌ للأبرار.
والله أعلم