الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسولِ الله، أمَّا بعدُ؛
يمكن أن أتجاهل حقيقة قصدك وما تريد، وأكلمك عن الحب في الله ﷻ الذي هو أوثق عرى الإيمان أو عن محبة الله ﷻ ورسوله ﷺ والتي هي من أركان الإيمان، ولكن أنا أعلم عن ماذا تسأل وتقصد؟ فدعنا نناقشه مباشرة:
نفس الشعور الذي يقع في قلب الشاب أو الفتاة تجاه الطرف الآخر هذا لا مؤاخذة فيه لأنه لا سبيل إلى دفعه، لكن المؤاخذة في الأسباب الجالبة لتلك المحبة، فإن تلك المحبة والتعلق ما حصل إلا بتجاوز ما أَذِن الله ﷻ فيه وشرعه بين الرجال والنساء، فينظر الرجل نظرا محرما ويتكلم كلاما محرما ويخلو خلوة محرمة ويختلط اختلاطا محرما، وتفعل هي هذا ثم يشكون من أنه أصابهم الحب ويسألون هل ما وقعوا فيه حرام أو حلال!
التجاوزات التي أدت بكم إلى هذا هي الحرام، فلو صُنت نفسك من البداية لمَا تَلبَّست بهذا الأمر ولما وقعت في هذا البلاء، ثم ما يعقب ذلك من المعاصي إذا استجاب الشخص لداعية الهوى فحاول التواصل مع معشوقه بطريق غير شرعي مما ينتج عنه ما لا يرضي الله سبحانه وتعالى من الأفعال المعلومة لك، فنفس الشعور قد لا تأثم به، لكن مقدماته التي أوجبته يجب عليك التوبة منها، ثم نتائجه التي يخشى أن يفضي إليها يجب عليك كبح جماح نفسك حتى لا تواقعها، فلا تنظر نظرا محرما ولا تتكلم كلاما محرما ولا تخل خلوة محرما ولا تخالط النساء مخالطة محرمة.
وهكذا يقال للمرأة، فإذا تبت من المقدمات وكففت نفسك عما يخشى من النتائج فلا إثم فيما بين ذلك، سوى أن عليك أن تعالج نفسك من هذا الداء فإن العشق مرض متى تسلط أفسد القلب ووقف السير وعاق عن الوصول إلى الله سبحانه وتعالى، ويكون التخلص من هذا المرض بملء القلب بالمحبة النافعة وهي محبة الله عَزَّ وَجَلَّ ورسله -عليهم الصلاة والسلام- وأوليائه والمحبة فيه جَلَّ اسمه، فإن فراغ القلب من المحبة النافعة هو الذي يجلب ضار المحبة كما قيل:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى .. فصادف قلبا فارغا فتمكنا
ومنها أن توقن أن المعشوق ليس كما تصوره لك نفسك، بل هو كتلة من العيوب والآفات وإنما العين ترى غير المقدور عليه على خلاف ما هو عليه، وأحب شيء إلى الإنسان ما منع منه كما يقولون، فدعك من أسر الوهم وتخلص منه وأحضر قلبك حقيقة المعشوق وتفكر في سلبياته وعيوبه ينفعك هذا جدا.
وكلما عرضت لك الخاطرة في ذلك المعشوق فبدلها بالفكرة في النافع لك في دينك ودنياك، ومع الاستمرار في المجاهدة ستتعافى بإذن الله تعالى من هذا الداء.
ثم إن غالب ما يتصوره الشباب حبا إنما هو وهم خادع وتعلق كاذب وشهوة عابرة..
وإلا فالمحبة الحقيقية إنما تولد بدوام المخالطة والمعرفة الحقيقية بالشخص وصفاته، وإنما أنتج ذلك التعلق بما تفرزه وسائل الإعلام المفسدة، حتى يتخيل الشاب أو الفتاة أنه إن لم ينخرط في علاقة من هذه فهو غير سوي أو أن شيئا ما ينقص رجولته أو أنوثتها إن هو لم يعش أجواء ذلك الحب المزعوم، وهذا كله مما يتعين التصدي له بواقعية وصدق مع النفس وعلم تام بأن هذه المسالك تضيع الأوقات وتذهب الأعمار وتهدر الطاقات.
دع ما يكتنفها من معصية الله تعالى والتعرض لمساخطه، فخوض تلك الغمار يضر ولا ينفع، ومن ثم فلا بُدَّ من توعية الجيل بطبيعة ما يراد بهم وما يراد منهم والسعي إلى إفاقة عجلى لأنفسنا ولمن يحيطون بنا حتى لا تشغلنا سفاسف الأمور وننصرف عن معاليها، والله ﷻ المسؤول أن يهدي شباب المسلمين ويبصرهم بمواقع رشدهم.