822      433
  • ما هي حدود التغنّي بالقرآن الكريم؟
  • أ.د. حاكم المطيري
    أ.د. حاكم المطيري
    أستاذ التفسير والحديث - جامعة الكويت
  • ما هي حدود التغنّي بالقرآن الكريم؟
     
    الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعدُ؛
     
    حدود التغني بالقرآن ألا يخرج عن التجويد وقواعد القراءة القرآنية الصحيحة، خاصة في المدود، والتي يتجاوز بعضهم فيها إلى حد التمطيط، فالتغني وتحسين الصوت بالقرآن سنة مستحبة، والخروج عن سنن القراءة بدعة محرمة..
     
    قال الماوردي في [الحاوي الكبير لفقه الشافعي ١٧/ ١٩٧]: «فأما القراءة بالألحان الموضوعة للأغاني فقد اختلف الناس فيها، فرخصها قوم، وأباحوها لرواية أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن)..
     
    وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار).
     
    وأما الشافعي فإنه عدل عن هذين الإطلاقين في الحظر والإباحة باعتبار الألحان، فإذا أخرجت ألفاظ القرآن عن صيغته، بإدخال حركات فيه وإخراج حركات منه، يقصد بها وزن الكلام وانتظام اللحن، أو مد مقصور، أو قصر ممدود، أو مطط حتى خفي اللفظ، والتبس المعنى، فهذا محظور يفسق به القارىء ويأثم به المستمع، لأنه قد عدل به عن نهجه إلى اعوجاجه، والله سبحانه وتعالى يقول: {قرآنا عربيا غير ذي عوج}، وإن لم يخرجه اللحن عن صيغة لفظه وقراءته على ترتيله كان مباحا، لأنه قد زاد بألحانه في تحسينه وميل النفس إلى سماعه».
     
    وقال ابن قدامة الحنبلي في [المغني ٢/ ١٢٨]: (كره أبو عبد الله القراءة بالألحان، وقال: هي بدعة؛ وذلك لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه ذكر في أشراط الساعة أن يتخذ القرآن مزامير، يقدمون أحدهم ليس بأقرئهم ولا أفضلهم إلا ليغنيهم غناء.)، ولأن القرآن معجز في لفظه ونظمه، والألحان تغيره.
     
    وكلام أحمد في هذا محمول على الإفراط في ذلك، بحيث يجعل الحركات حروفا، ويمد في غير موضعه، فأما تحسين القراءة والترجيع فغير مكروه؛ فإن عبد الله بن المغفل قال: «سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة يقرأ سورة الفتح، قال: فقرأ ابن المغفل، فرجع في قراءته. وفي لفظ قال: قرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح في مسير له سورة الفتح على راحلته، فرجع في قراءته»
     
    قال معاوية بن قرة: "لولا أني أخاف أن تجتمع علي الناس لحكيت لكم قراءته". رواهما مسلم.
     
    وعلى كل حال، فقد ثبت أن تحسين الصوت بالقرآن، وتطريبه، مستحب غير مكروه، ما لم يخرج ذلك إلى تغيير لفظه، وزيادة حروفه).
     
    وقال النووي في [التبيان ص ١٠٩]: (أجمع العلماء -رضي الله عنهم- من السلف والخلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار أئمة المسلمين على استحباب تحسين الصوت بالقرآن وأقوالهم وأفعالهم مشهورة نهاية الشهرة فنحن مستغنون عن نقل شئ من أفرادها ودلائل هذا من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مستفيضة عند الخاصة والعامة كحديث: (زينوا القرآن باصواتكم وحديث: (لقد أوتي هذا مزمارا).
     
    فيستحب تحسين الصوت بالقراءة ترتيبها ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط، فإن أفرط حتى زاد حرفا، أو أخفاه، فهو حرام.
     
    وأما القراءة بالألحان فقد قال الشافعي -رحمه الله تعالى- في موضع أكرهها، قال أصحابنا ليست على قولين بل فيه تفصيل إن أفرط في التمطيط فجاوز الحد فهو الذي كرهه، وإن لم يجاوز فهو الذي لم يكرهه..
     
    وهذا القسم من القراءة بالألحان المحرمة مصيبة ابتلي بها بعض الجهلة الطغام الغشمة، الذين يقرؤون على الجنائز وبعض المحافل وهذه بدعة محرمة ظاهرة، يأثم كل مستمع لها كما قالة أقضى القضاه الماوردي، ويأثم كل قادر على إزالتها أو على النهي عنها إذا لم يفعل ذلك، وقد بذلت فيها بعض قدرتي.
     
    واعلم أن جماعات من السلف كانوا يطلبون من أصحاب القراءة بالأصوات الحسنة أن يقرؤوا وهم يستمعون، وهذا متفق على استحبابه، وهو عادة الأخيار والمتعبدين والصالحين، وهى سنة ثابتة عن رسول الله ﷺ).
     
    والله أعلى وأعلم.