646      1452
  • هل يصح التفسير المنتشر لآية "واضربوهن" بالمباعدة وليس الضرب؟
  • محمود مداد
    محمود مداد
    باحث شرعي ومفتي.. موقع الشبكة الإسلامية
  • انتشر تفسير قوله تعالى: واضربوهن بأن معناه المباعدة، مأخوذ من الضرب في الأرض وهو السير فيها، حتى سمعت خطيب الجمعة يقول هذا التفسير على المنبر فما مدى صحة هذا التفسير؟
    اعلم بارك الله فيك أن الكلام في كتاب الله تعالى شديد، وأن القول على الله بغير علم من الموبقات الكبار، وفي السنن: من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ ولو أصاب.
     
    فليس القرآن مجالا للعب ولا ميدانا للعبث بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم، وقد نقلنا قريبا كلاما لابن تيمية رحمه الله يبين فيه أن كل فهم يخالف ما أجمع عليه الصحابة والتابعون فهو مردود، وهو من تحريف الكلم عن مواضعه، وهو باب للزندقة عياذا بالله.
     
    فإذا تقرر لك هذا فاعلم أن المفسرين منذ كان علم التفسير على أن معنى "واضربوهن" هو المتبادر المعروف في كلام العرب، وهو معنى قول النبي صلوات الله عليه: "واضربوهن ضربا غير مبرح". ومعنى قوله في الصغار: "واضربوهم عليها لعشر".
     
    وهذه كتب التفسير من لدن تفسير ابن جرير وحتى تفسير ابن عاشور وما بينهما عشرات التفاسير بل مئات لمئات من العلماء مختلفة مشاربهم واتجاهاتهم العلمية لن تجد واحدا منهم فسر الضرب في الآية بهذا الهذيان.
     
    ويكفيك أن يكون هذا التفسير المحدث المبتدع مخالفا لما درج عليه العلماء عبر العصور، وهل يعقل أن الأمة كلها عبر أكثر من أربعة عشر قرنا لم تفهم القرآن حتى جاء هؤلاء الأعاجم الطماطم الذين لا يقيمون جملة سوية فجلوا غامض القرآن ووضحوا المراد منه، سبحانك هذا بهتان عظيم.
     
    وإذا بان لك بطلان تلك الفرية فإنها إنما حدثت لإرضاء فئة عابثة من العلمانيين والنسويات الذين تربوا على غير ثقافتنا ودرجوا على غير قيمنا فكرهوا ما يخالف أهواءهم ومذاهب سادتهم من أحكام الشرع المطهر، ولما كان التكذيب بها وردها غير ممكن عدلوا إلى تحريف الكلم عن مواضعه طريقة اليهود لعنهم الله.
     
    وليس في الأمر بضرب الرجال ما يشين الشرع ولا يخدش وجهه الجميل، وقد بينا هذا مرارا وبينا أن الضرب هو آخر الدواء، وإنما يكون في حق المرأة التي نشزت عن زوجها فلم تطعه فيما يجب عليها من لزوم بيته وإجابته للفراش وخدمته بالمعروف، فيبدأ معها بالوعظ والنصح فإن لم تستجب فإنه يهجرها في المضجع، فإن لم تستجب بعد هذا فله أن يضربها بشرطه، وهو الضرب غير المبرح كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "واضربوهن ضربا غير مبرح".
     
    وأما قساة القلوب غلاظ الأكباد المعتادون ضرب النساء فقد قال فيهم المعصوم صلوات الله عليه: "لا تجدون أولئك خياركم".
     
    وقد يحتاج الموضوع إلى مزيد تفصيل تضيق عنه أحرف المنشور فنكتفي من القلادة بما أحاط بالعنق، والله أعلم.