كنتُ حريصًا على إعفاء اللحية اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، لكن قرأت كلام إحدى جهات الإفتاء، قالت: حلق اللحية مختلف فيه، ولا مانع شرعا من حلقها، فهل أحلقها؟
إعفاء اللحية سنة، وينبغي ترك حلقها لأنه حرام عند جمهور الفقهاء، وإليكم التفصيل:
▪️ كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيف شعر اللحية، وأمر المسلمين بإعفاء اللحى، ولهذا قال جمهور الفقهاء بكراهة القص الشديد، وتحريم الحلق التام للحية، والذين لم يقولوا بحرمة الحلق كالشافعية في معتمد مذهبهم قالوا بكراهية حلقها كراهية شديدة.
▪️ فأقل أحوال حلقها: الكراهة الشديدة، وترك فعل مستحب وهو إعفاؤها، فهل معنى ذلك أن يُقال: لا مانع شرعًا من حلقها؟ الخطاب الدعوي ينبغي أن يكون حاثًّا للناس على فعل السنة، وترك المكروه، فضلا عما كان جمهور الفقهاء على تحريمه.
▪️ وفي حديث أم عطية، قالت: نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، ولَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا. أي: نهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستدل منه العلماء على كراهة اتباع المرأة للجنازة - لا التحريم - لأنه نهي غير جازم: "ولم يعزم علينا"، فانظر النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن المكروه وإن لم يشدد فيه تشديده في الحرام، وعلى الدعاة أن يقتدوا به صلى الله عليه وسلم في ذلك.
▪️ والكلام الخطأ المذكور فيه إيحاء أنه لا مانع من حلقها لأنه مختلف فيها، يعني كأن الخلاف حجة للقول بأنه لا مانع من ذلك! وهذا مسلك خطأ.
"وقد زاد هذا الأمرُ على قَدرِ الكفايةِ، حتى صار الخلافُ في المسائل معدودًا في حُجَجِ الإباحةِ! ووقع فيما تقدَّم وتأخَّر من الزَّمانِ: الاعتمادُ في جوازِ الفِعلِ على كونِه مختلَفًا فيه بين أهلِ العِلمِ! لا بمعنى مراعاةِ الخِلافِ؛ فإنَّ له نظرًا آخَرَ، بل في غيرِ ذلك، فربما وقع الإفتاءُ في المسألةِ بالمنعِ، فيُقال: لِمَ تمنَعُ، والمسألةُ مختَلَفٌ فيها؟ فيجعَلُ الِخلافَ حُجَّةً في الجوازِ لمجَرَّدِ كونِها مختلفًا فيها، لا لدليلٍ يدلُّ على صِحَّةِ مَذهَبِ الجوازِ، ولا لتقليدِ مَن هو أَولى بالتقليدِ من القائِلِ بالمنعِ، وهو عينُ الخطَأِ على الشَّريعةِ؛ حيث جعل ما ليس بمعتَمَدٍ مُعتَمَدًا، وما ليس بحُجَّةٍ حجَّةً"
▪️ فلا يصلح أن يبنى على كون المسالة فيها خلاف أنه لا حرج في حلقها، فهذا بناء فاسد. بل غاية ما يبنى عليه أن يقال: لا إنكار على من قال بالكراهة تقليداً لمن قال به من أهل العلم، لا أنه لا مانع شرعاً من حلقها لأنه مختلف فيها!!