في دعاء الاستخارة نقول: "فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه"، ونقول: "فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به"
وهذا دعاء وطلب، والله -تعالى- كريم، يستجيب دعاء عباده، إما بحصول عين ما يدعون به، وإما بحصول عوض له في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما، كما قال "ادعوني أستجب لكم" وقال: "فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان" = ولذلك متى دعا الإنسان بدعاء الاستخارة فعليه أن يمضي فيما هو بصدده مما كان قد هَمَّ به واستخار الله فيه، فإذا كان الله قد اختار له حصول أمر ما فإنه كائن لا محالة، وتُرجى له البركة فيه بقوله في الدعاء "ثم بارك لي فيه"، وإذا كان الله لم يختر له حصوله، فإنه لن يكون مهما كان، وسيصرفه الله عنه، ويرجى له أن ينصرف هو أيضا عنه، وأن يقدر الله له الخير حيث كان ويرضيه به، كما قال في دعائه.
قد يهيء الله للإنسان أسبابا تدفعه أو تصرفه، كرؤيا معينة، أو شخص يقنعه بالإقدام أو الإحجام، أو يجد في نفسه خفة ونشاطا وانبعاثا أو تثاقلا وتكاسلا وخمولا، قد يجد الأبواب مفتوحة نحو التقدم والسير نحو ما استخار فيه، وقد يجدها موصدة مغلقة تشير بالرجوع والعودة، الأسباب متعددة، ولا ينبغي للإنسان أن ينتظر سببا بعينه، بل يمضي متوكلا على الله مسبب الأسباب الذي بيده الملك، وله الأمر والحكم، ويرضى بقضاء الله وقدره أيا كان، ويرجو الخير والبركة في الإقدام وفي الإحجام.
فإن قيل: إن ما قضاه الله كائن لا محالة، سواء دعونا واستخرنا أم لا.
قلنا: إن قضاء الله نافذ ولا بد، لكن من القضاء ما يكون معلقا بالدعاء، كما أن شبعك من الجوع يكون معلقا بأكلك الطعام، وارتواؤك من عطشك يكون معلقا بشربك الماء ونحوه، وبلوغك البلدة المعينة يكون معلقا بسيرك نحوها، فأكلك وشبعك، وشربك وارتواؤك، وسيرك ووصولك، كل ذلك من قدر الله، وكذا دعاؤك وتحقق ما دعوت به أو عوضه، كل ذلك من قدر الله، وإذا تركت الدعاء لم تنل ما كان معلقا به من الخير، كما أنك إذا تركت الطعام والشراب والسير لن تشبع ولن ترتوي ولن تصل، فالدعاء والسؤال سبب لنيل المطلوب المسؤول، ليس وجوده كعدمه في ذلك، وهذا مما يقر به جماهير بني آدم من المسلمين واليهود والنصارى والصابئين والمجوس والمشركين، كما يقول ابن تيمية.
ويقول أيضا: إذا أمر الله العباد بالدعاء فمنهم من يطيعه فيستجاب له دعاؤه وينال طلبته، ويدل ذلك على أن المعلوم المقدور هو الدعاء والإجابة، ومنهم من يعصيه فلا يدعو فلا يحصل ما علق بالدعاء، فيدل ذلك على أنه ليس في المعلوم المقدور الدعاء ولا الإجابة، فالدعاء الكائن هو الذي تقدم العلم بأنه كائن، والدعاء الذي لا يكون هو الذي تقدم العلم بأنه لا يكون.
وفي ختم هذا الجواب، أسمع من خارج البيت صوت قاريء يتلو قول الله -جل جلاله- :
[إنا كل شيء خلقناه بقدَر - وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر]