452      5155
  • لماذا يترك الله ما يحصل للمسلمين في بورما وفلسطين؟
  • أحمد سالم
    أحمد سالم
    المدير العام لمؤسسة (أكاديميك) للدراسات والأبحاث والاستشارات
  • هو ليه ربنا سايب اللي بيحصل في مسلمي بورما والإيغور وفلسطين وغيرهم؟

    لأن الدنيا ليست دار جزاء، ولو كانت الدنيا دار جزاء نهائي لما كانت دار ابتلاء واختبار.

    ولو كان كل ظالم تأخذه صيحة تهلكه=لما كان ليوم الحساب معنى، ولا كان يبقى للصبر موضع، ولا كانت التوبة فضيلة يُجزى صاحبها الجنة.

    مسلم بورما [وغيره] مبتلى بالضراء، ومسلم غيرها مبتلى بالرخاء، كلاهما في اختبار، والعدل الرباني لا يُنظر إليه من جهة كفة الدنيا فحسب بل ميزانه الدنيا والآخرة، فإذا أتيت على ربك يوم القيامة فلم تجده أعطى المحسن أجر إحسانه وزيادة، وعاقب الظالم المسئ بإساءته عذابًا مهينًا جزاءًا وفاقًا= ساعتها اسأل عن العدل الإلهي أين هو.

    هناك نبي تم قتله شقا بالمنشار وآخر قُدم جسدُه مهرا لامرأة بغي ساقطة، وأصحاب الأخدود كانوا مؤمنين وألقوا في النار جميعا والله يشاهدهم، إن الله إذا ترك المصيبة تقع بالعبد فهو يبتليه فإن صبر كانت بابا لجنته وإن لم يصبر دل ذلك على عدم أهليته لما أعده الله للمؤمنين الصابرين، ولو كانت الدنيا دار نعيم لا بلاء فيها= لكانت جنة، ولما كانت هي دار الامتحان التي تميز بين الناس ودرجاتهم وما يستحقون.

    وقد أخبرنا الله في قرآنه عن ملك لا يساوي فلسين، وهو يحفر الأخدود ليلقي فيه المؤمنين، ولم يتصارخ خيرة المؤمنين هؤلاء يتسخطون أقدار ربهم أن قد آمنا فكيف يتسلط علينا من يعذبنا فيحرقنا؟!

    ما يحدث ليس جديدًا أصلا، وإن الله لم يخدع الناس شيئًا، بل هو من حكى لنا أخبار البلاءات العظيمة التي وقعت بأوليائه، أفحسبتم أن تؤمنوا وأنتم لا تفتنون؟

    (قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى).

    هذا وعيد فرعون لسحرة موسى، هل ترى ما فيه من شدة العذاب الواقع هل هؤلاء الذين لو لم يؤمنوا لظلوا معززين مكرمين وجهاء عند فرعون وقومه؟!

    هل ترى السحرة قالوا ما هذا الظلم الذي وقع علينا؟ أهكذا يكافؤنا الله على أننا آمنا؟ كيف يسلط الله فرعون علينا بعد أن آمنا به؟

    لا يا أخي، لم يقل السحرة المؤمنون من هذا شيئًا..

    انظر ماذا قالوا:

    (قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا . إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى . إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى . ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى).

    لقد عرفوا ميزان عدل الله وأنه لا ينظر فيه إلى الدنيا وحدها، فالدار الآخرة هي الحيوان وهي تمام الميزان؛ لأجل ذلك قالها السحرة بينة لا ريب فيها: لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون.

    كل ما في الدنيا من بلاء بلغ ما بلغ، غمسة في الجنة تنسي العبد إياه، فقط كل ما يطلب منك هو أن تعيش في هذه الدنيا عيش من يطلب الآخرة ويرجو رحمة ربه، شاكرًا صابرًا.

    السحرة مع فرعون من أظهر نصوص الوحي في فهم طبيعة الابتلاء وميزان الخير والشر، فهذه الدنيا وما يكون فيها ليست معيارًا للخير والشر وليست ميدانًا لتحقيق العدل الإلهي أصلا.

    إن الله عز وجل يبتلي عباده ليرفع درجات الصابرين، ويزيد في عذاب الظالمين، ويمحص صف المؤمنين، ولتقام بهم الحجة على عذاب المجرم يوم القيامة فلا يشفق عليه أحد، ولا يعتذر عنه أحد، وليمتحن الله بهم أمثالنا من المؤمنين أيثبتون أم يستزلهم الشيطان فيكفروا.

    أما المبتلون= فغمسة في الجنة تنسي كل شقاء كأن لم يكن، يخلقهم الله خلقًا آخر هو ربهم وملكهم وبما شاء يبتبليهم لولاه ما كانوا.