إذا أم الرجل رجلا أو صبيا، فالسنة أن يقف المأموم عن يمين الإمام محاذيا ملاصقا له.
روى البخاري (697) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ " فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَ، فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ، فَجِئْتُ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى خَمْسَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ نَامَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ - أَوْ قَالَ: خَطِيطَهُ - ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ "
وبوب عليه البخاري: "بَابٌ: يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الإِمَامِ، بِحِذَائِهِ سَوَاءً إِذَا كَانَا اثْنَيْنِ".
وروى أحمد (3060) عن ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَصَلَّيْتُ خَلْفَهُ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَجَرَّنِي، فَجَعَلَنِي حِذَاءَهُ، فَلَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَلاتِهِ، خَنَسْتُ [أي تأخرت]، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لِي: (مَا شَأْنِي أَجْعَلُكَ حِذَائِي فَتَخْنِسُ؟ )، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَيَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ حِذَاءَكَ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللهِ الَّذِي أَعْطَاكَ اللهُ؟ قَالَ: فَأَعْجَبته، فَدَعَا اللهَ لِي أَنْ يَزِيدَنِي عِلْمًا وَفَهْمًا.
قال ابن رجب رحمه الله في فتح الباري (6/ 197): "والمقصود من هَذَا الحَدِيْث فِي هَذَا الباب: أن الإمام إذا لَمْ يأتم بِهِ غير واحد، فإنه يقيمه عَن يمينه بحذائه، ولو كَانَ صبياً لَمْ يبلغ الحلم.
وهذا كالإجماع من أهل العلم.
وقد حكاه الترمذي فِي (جامعه) عَن أهل العلم من أصْحَاب النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فمن بعدهم، قالوا: إذا كَانَ الرَّجُلُ مَعَ الرَّجُلُ يقوم عَن يمين الإمام.
وحكاه ابن المنذر عَن أكثر أهل العلم، وسمى منهم: عُمَر بن الخَطَّاب وابن عُمَر وجابر بن زيد وعروة ومالك وسفيان والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي. قَالَ: وبه نقول.
قُلتُ: وَهُوَ - أَيْضاً - قَوْلِ الشَّعْبِيّ وأحمد وإسحاق" انتهى.
إذا خشي الإنسان من ملاصقته للإمام الإصابة بالمرض، فإنه يقف عن يمينه محاذيا له، متباعدا عنه، ولا يقف خلفه، وذلك لأمرين:
الأول: أنه إن عفي عن التراص لخوف المرض، فإن تسوية الصف هنا ممكنة لا محذور فيها، والميسور لا يسقط بالمعسور.
الثاني: أن الصلاة خلف الصف مختلف في صحتها، وقد ذهب الحنابلة إلى بطلانها.
روى أبو داود (682) والترمذي (230) وغيرهما، أَنَّ رَجُلا صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاةَ. وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وروى أحمد (16297) وابن ماجه (1003) أن علي بن شيبان خَرَجَ وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَصَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَحَ بِمُؤْخِرِ عَيْنَيْهِ إِلَى رَجُلٍ لا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، إِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ).
قَالَ: وَرَأَى رَجُلا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ، فَوَقَفَ حَتَّى انْصَرَفَ الرَّجُلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: َ (اسْتَقْبِلْ صَلاتَكَ؛ فَلا صَلاةَ لِرَجُلٍ فَرْدٍ خَلْفَ الصَّفِّ) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
والحنابلة مع إبطالهم صلاة المنفرد خلف الصف، يجيزون الفرجة والتباعد –في نفس الصف- ولو بأكثر من مقام ثلاثة رجال، سواء كان الصف خلف الإمام، أو كان شخصا واحدا عن يمين الإمام كما هو صورة المسألة هنا.
ولا يبطلون إلا صلاة من كان عن يسار الإمام وانقطع بمقدار مقام ثلاثة رجال.
قال في شرح منتهى الإرادات (1/ 283): " (ولا) بأس (بقطع الصف) خلف الإمام وعن يمينه (إلا) أن يكون قطعه (عن يساره) أي: الإمام (إذا بعد) المنقطع (بقدر مقام ثلاثة) رجال، فتبطل صلاته.
قال ابن حامد: وجزم به في الرعاية الكبرى" انتهى.
وقال العلامة عثمان النجدي في حاشيته على شرح المنتهى (1/ 318): " فانقطاع الصف بوقوع فرجة فيه: تارة يكون بقدر مقام ثلاثة رجال فأكثر، وتاؤة يكون أقل. والمنقطع: تارة يكون واحداً، وتارة يكون متعدداً. فهذه اثنتا عشرة صورة، عشر منها صحيحة، واثنتان تبطل فيهما صلاة المنقطع، وهما: ما إذا كان القطع في صف وقف بجنب الإمام عن يساره، وكانت الفرجة بقدر مقام ثلاثة فأكثر، فإنها تبطل صلاة المنقطع واحداً أو أكثر. وقد أشار المصنف إلى الصور كلها منطوقاً ومفهوماً" انتهى.
وينظر: كشاف القناع (1/ 488).
فالصورتان اللتان تبطل معهما الصلاة عند الحنابلة- بسبب الفرجة في الصف-:
1 - أن يكون المأمومون عن يسار الإمام، وصفهم به فرجة قدر ثلاثة رجال فأكثر، والمنقطع عن الصف مأموم واحد.
2 - أن يكون المأمومون عن يسار الإمام، وصفهم به فرجة قدر ثلاثة رجال فأكثر، والمنقطع عن الصف أكثر من مأموم.
وأما لو وقفوا خلف الإمام أو يمينه مع وجود فرجة ولو قدر ثلاث رجال فأكثر، فلا تبطل صلاتهم.
ولهذا فالصواب هنا أن يقف المأموم في صف الإمام متباعدا عنه، ولا يقف خلفه.
ويجب الحذر من التقدم عليه، والتساوي إنما يكون بالأعقاب لا بأطراف الأصابع.
قال في مطالب أولي النهى (1/ 684): " (والاعتبار حال قيام في تقدم ومساواة في مؤخر قدم وهو العقب) وتقدم في تسوية الصفوف (فلو استويا) ، أي: الإمام والمأموم (بعقب، وتقدمت أصابع مأموم) لطول قدمه، (أو تقدم) المأموم (عليه) ، أي: على الإمام (برأسه في سجود) لطوله؛ (لم يضر) اعتبارا بالعقب.
(وعكسه) ، أي: لو استويا بالأصابع، وتقدم عقب المأموم على عقب إمامه؛ (يضر) ، أي: فلا تصح صلاته لتقدمه على إمامه" انتهى.