كيف تكون عندي مرونة في التعامل مع الابتلاء؟ أنا أصارع الابتلاءات منذ ستة، لا أعترض والله، لكن أحس أن قلبي يوجعني، وأني أبتعد عن طريق الله كثيرا، وحالي صار مقلوبا.. أكتب إليكم السؤال وأنا أبكي!
"ومن الذي حصل له غرض ثم لم يُكَدَّر؟!
هذا آدم، طاب عيشه في الجنة، وأخرج منها.
ونوح سأل في ابنه فلم يعط مراده.
وأما ما لقي نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- من الجوع والأذى وكدر العيش، فمعلوم.
فالدنيا وضعت للبلاء، فينبغي للعاقل أن يوطن نفسه على الصبر، وأن يعلم أن ما حصل من المراد، فلُطف، وما لم يحصل، فعلى أصل الخلق والجبلة للدنيا، كما قيل:
طبعت على كدر وأنت تريدها = صفوًا من الأقذاء والأكدَارِ؟!
ومكلف الأيام ضد طباعها = متطلب في الماء جذوة نار.
وها هنا تتبين قوة الإيمان وضعفه.
فليستعمل المؤمن من أدوية هذا المرض = التسليم لمالك الملك، والتحكيم لحكمته، وليقل: قد قيل لسيد الكل -صلى الله عليه وسلم-: {ليس لك من الأمر شيء}، ثم ليسل نفسه بأن المنع ليس عن بخل، وإنما هو لمصلحة لا يعلمها، وليؤجر الصابر عن أغراضه، وليعلم الله الذين سلموا ورضوا، وأن زمن الابتلاء مقدار يسير، والأغراض مدخرة تلقى بعد قليل، وكأنه بالظُّلمة قد انجلت، وبفجر الأجر قد طلع.
ومتى ارتقى فهمه إلى أن ما جرى مراد الحق سبحانه؛ اقتضى إيمانه أن يريد ما يريد، ويرضى بما يقدر، إذ لو لم يكن كذلك، كان خارجا عن حقيقة العبودية في المعنى.
وهذا أصل ينبغي أن يتأمل، ويعمل عليه في كل غرض انعكس"
"وأطيب العيش عيش من يعيش مع الخالق سبحانه، فإن قيل: كيف يعيش معه؟ قلت: بامتثال أمره، واجتناب نهيه، ومراعاة حدوده، والرضا بقضائه، وحسن الأدب في الخلوة، وكثرة ذكره، وسلامة القلب من الاعتراض في أقداره، فإن احتجت، سألته، فإن أعطى، وإلا رضيت بالمنع، وعلمت أنه لم يمنع بخلا، وإنما نظرا لك، ولا تنقطع عن السؤال؛ لأنك تتعبد به، ومتى دمت على ذلك، رزقك محبته، وصدق التوكل عليه، فصارت المحبة تدلك على المقصود، وأثمرت لك محبته إياك، فحينئذ تعيش عيش الصديقين، ولا خير في عيش إن لم يكن كذا، فإن أكثر الناس مخبط في عيشه".
الزمي الدعاء، والاستغفار، والخضوع للواحد القهار، والصبر وابتغاء الأجر، وإياك أن تكوني ممن يعبد الله على حرف، فإن أصابه خير اطمأن به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة.
رزقنا الله وإياك العافية في الدين والدنيا والآخرة. آمين