168      8467
  • هل يجوز الترحم على الملحد الذي مات؟! وهل هناك فرق بين الترحم والاستغفار؟
  • خباب بن مروان الحمد
    خباب بن مروان الحمد
    باحث في علوم الشريعة
  • هل يجوز الترحم على الملحد الذي مات؟!

    الجواب بداية: لا يجوز ذلك.


    وهنا يقف بعضهم فيقولون:
    ما لكم تُحجّرون واسعاً على رحمة الله؛ ولا تترحمون على من مات على غير دين الإسلام؟

    فنقول: نحن نعتقد عقيدة نؤمن بها؛ ولا نُكرِهُكم على اعتقادها؛ ولكنّنا نعتقد يقيناً أنّ الحقّ معنا فيها؛ لأنّ الدعاء للكافر في الأصل بالرحمة والمغفرة لا يجوز.

     

    وأدلّتنا:


    1. قوله تعالى :
    { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ }.

    وجه الدلالة: أن أبا طالب مع كونه قد خفف عنه العذاب الا انه لا يجوز الاستغفار له.

     

    2. قوله تعالى : {وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84)}

    وجه الدلالة: منع الله تعالى رسوله محمداً صلّى الله عليه وسلّم عن الدعاء للكافر بالرحمة والمغفرة؛ لأنّ صلاة المسلم على الميت فيها رجاء من ربّه أن يغفر له ويرحمه.

     

    3. ثبت في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي).

    وجه الدلالة: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم مُنع من الدعاء لأمّه وطلب المغفرة لها، لكفرها؛ وإن كان قد أذن له بزيارة قبرها.

     

    قد يقول قائل:
    نتفق معك على أنّه لا يجوز الاستغفار للكافر ولكن ألا يصحّ أن ندعو له بالرحمة، ويحتجُّون بدليلين:
    1. قوله تعالى : {ورحمتي وسعت كلّ شيء}.
    2. أنّ رحمة الله واسعة يرحم جميع الخلق؛ ونحن نُحجّر على رحمة الله تعالى إذا منعنا من الدعاء للكافر بذلك.

     

    ونُجيبهم من وجوه:

     

    1. إنّه ومن حيث قضاء الله الكوني القدري؛ فهو يرحم عموم الخلق؛ لأنه الرحمن ذو الرحمة الواسعة بعموم المخلوقين؛ والرحيم ذو الرحمة الخالصة الخاصة الواصلة للمؤمنين.

     

    2. رحمته للمخلوقين في الدنيا؛ يكون تارة برفع العذاب عنهم بالدنيا، أو تخفيف ما يُصيبهم، أو تهوين المصاب عليهم بوقوع النكبات والمصائب، ومن عموم رحمته أن أرسل الرسل وأنزل الكتب؛ ولكن من جحد وعاند ورأى آيات الكون؛ ثمّ كابر وكفر؛ فلن تصيبه الرحمة إلا بمن سبق الكتاب عليه بتخفيف العذاب عنه وهو شيء خاصٌ كعمّه أبي طالب.

     

    3. أمّا الآية فإنّها دليل عليكم وليست دليلاً لكم ؛ لأنّه تعالى يقول: {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ }.

    وجه الدلالة: حين قال: {ورحمتي وسعت كلّ شيء} بيّن أنّه قد كتبها لمن يستحقها من المؤمنين كما قال في آية أخرى : {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}

     

    4. معلوم أنّ الله يرحم من يشاء من خلقه رحمة واسعة؛ لكن الدعاء للكافر بالرحمة لا يجوز؛ فالله يقول: { والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي} وهذا مما ينافي الدعاء لهم بالرحمة.
    وقال الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ }، وهذا يدل على أنّ الله لن يغفر لمن مات كافراً.
    وقال جلّ جلاله: { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ }.
    فالحظ في الآية أن الاستغفار للمؤمنين، وأنّه تعالى وإن وسع كل شيء رحمة وعلماً فالدعاء اقتُصر على من آمن به واتبع سبيلهم حتى يقيهم الله عذاب الجحيم، وبهذا تدعو الملائكة الكروبيون الطائفون حول عرش الرحمن.

     

    5. جاء في الحديث الذي رواه البيهقي بلفظ: اجتمع المسلمون واليهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشمته الفريقان جميعا، فقال للمسلمين: "يغفر الله لكم، ويرحمنا الله وإياكم" وقال لليهود: "يهديكم الله، ويصلح بالكم".

    وجه الدلالة: يُنظر إلى المغايرة بين دعاء رسول الله للمسلمين ودعاءه لغيرهم فللمسلمين الدعاء بالمغفرة والرحمة ولليهود بصلاح البال في الدنيا والهداية لهم.

     

    بقي أن أقول:

    أنّ تحريم الدعاء بالرحمة لمن ظهر لنا أنّه مات على كفره؛ لا يلزم منه القطع بأنّه في النار؛ فالقول المعتبر في عقيدة أهل السنّة والجماعة أنّه لا يجوز الشهادة لمُعيّن مات أنّه في الجنّة أو في النار؛ إلاّ ما جاء النص بالشهادة له.

     

    وقد قال الصحابي الجليل ابن عباس حين تلا قوله تعالى:{النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم}:

    "إن هذه الآية آية لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه، ولا ينزلهم جنة ولا ناراً"؛ لأنّ الذي يعلم بالغيب وخفايا الأنفس؛ ومستقرها ليس المخلوق بل هو الخالق؛ فنكون ممن آمن به ولا نُشرك بفعله.

     

    وعليه فإنّ من يموت على الكفر مُخلّد في النار هذا لا شك فيه، بشكل عام.
    لكنّ الشهادة على مُعيّن أنّه في النار من الكفار، أو معيّن على أحد المسلمين أنّه في الجنّة؛ فهذا ليس لنا؛ فمفاتيح الجنة والنار بيد الله لا بيدنا..
    وهذا القول هو الذي عليه جماهير العلماء..لأنّ أحكام الآخرة عند الله تعالى.

     

    هذا والله تعالى أعلم