ذكرتم في مقالكم حول صلاة وخطبة العيد في البيوت، أن للعيد خطبتين، فيُرجى توضيح ذلك.
صلاة العيد خطبتان والبعض يعترض أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد عنه ذلك.
وهذه المسألة من المسائل التي تحتاج إلى ذكر أصل عظيم لاستيعابها.
وهذا الأصل هو أن ما جرى عليه العمل من الرعيل الأول وتلقته الأمة بالقبول فثبوته أقوى من ثبوت ما جاء فيه حديث آحاد صحيح.
ذلك لأن الأمة لا تتوارد على شيء من القرن الأول إلى قرون أخرى متطاولة إلا إذا كان له أصل. وإلا لزم من ينكر ذلك الإنكار على أئمة الإسلام كلهم إلى زمان بن تيمية رحمه الله ونسبتهم إلى مخالفة السنة.
ولذلك تجد حتى ابن حزم الظاهري يقول: "ﻓﺈﺫا ﺳﻠﻢ اﻹﻣﺎﻡ ﻗﺎﻡ ﻓﺨﻄﺐ اﻟﻨﺎﺱ ﺧﻄﺒﺘﻴﻦ ﻳﺠﻠﺲ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻓﺈﺫا ﺃﺗﻤﻬﻤﺎ اﻓﺘﺮﻕ اﻟﻨﺎﺱ ... ﻛﻞ ﻫﺬا ﻻﺧﻼﻑ ﻓﻴﻪ".
فتأمل قوله:لا اختلاف فيه، ومعلوم أن إجماعات ابن حزم من أقوى الإجماعات.
فحين تترك ما عملت به الأمة وتقول ظاهر الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب خطبة واحدة، فأنت بذلك في الحقيقة تأخذ بالكتاب والسنة بفهمك أنت لا بفهم سلف الأمة.
سلف الامة جيل وراء جيل فهم أن خطبة العيد كخطبة الجمعة، فإما ان تعتبر فهم سلف الأمة ميزانا لضبط الأدلة في الفقه كما تعتبره ميزانا في فهمها في العقيدة وإما ان تقول انا اعلم بالكتاب والسنة من السلف.
وروى الشافعي ﻋﻦ ﻋﺒﻴﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﺘﺒﺔ ﻗﺎﻝ: "اﻟﺴﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻜﺒﻴﺮ ﻳﻮﻡ اﻷﺿﺤﻰ ﻭاﻟﻔﻄﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺒﺮ ﻗﺒﻞ اﻟﺨﻄﺒﺔ ﺃﻥ ﻳﺒﺘﺪﺉ اﻹﻣﺎﻡ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺨﻄﺐ، ﻭﻫﻮ ﻗﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺒﺮ ﺑﺘﺴﻊ ﺗﻜﺒﻴﺮاﺕ ﺗﺘﺮﻯ ﻻ ﻳﻔﺼﻞ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺑﻜﻼﻡ ﺛﻢ ﻳﺨﻄﺐ ﺛﻢ ﻳﺠﻠﺲ ﺟﻠﺴﺔ ﺛﻢ ﻳﻘﻮﻡ ﻓﻲ اﻟﺨﻄﺒﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻴﻔﺘﺘﺤﻬﺎ ﺑﺴﺒﻊ ﺗﻜﺒﻴﺮاﺕ ﺗﺘﺮﻯ ﻻ ﻳﻔﺼﻞ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺑﻜﻼﻡ ﺛﻢ ﻳﺨﻄﺐ".
وعبيد الله بن عتبة مخضرم فهو من القرن الأول، وحين يقول من السنة فمعنى ذلك أنه ينسب الأمر لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
فيكون هذا حديثا مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم والمرسل إذا عضده حديث آخر ضعيف وأفتى العلماء بمقتضاه كان حجة عند عامة العلماء
فهذا معضد بحديث ابن ماجة، وفتوى كل العلماء في الستمائة سنة الأولى.
فمن رد ذلك خالف السنة قطعا.
والله أعلم